تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن ذلك إنكاره على صاحب القاموس أنه لا يحافظ على ترتيب المواد و المشتقات قال: ففي كدى وصلى وقهى وطمى وغبى وغطى وغشى. أورد ((اليائي)) قبل ((الواويّ)). وهو في سر الليال أورد ((الأب)) بعد ((أبى)) وقد صرّح بأن ((الأب)) واويّ حيث قال: وأصله أبوٌ محركة كما في القاموس. على أن في نفس هذا الاعتراض اعتراضاً عليه. فإنه أورد فيه كدى قبل صلى وقهى قبل طمى وغطى قبل غشى فتأمل.

ومن ذلك إنكاره عليه أنه يقيّد في تعاريفه ما هو مطلق كقوله: بكأت الناقة قلَّ لبنها. وهو يقول في سرّ الليال: وبَتِع الفرس فهو بَتيع ككتف وهي بتعة طالت عنقه مع شدَّة مغرزها. وعبارة القاموس في هذه المادة، وبالتحريك طول العنق مع شدَّة مغرزها. بَتِع الفرس كَفَرِح فهو بَتِع ككَتِف وهي بَتِعة، انتهى. فأنت ترى أن صاحب القاموس عينه قد أطلق في التعريف ثمَّ ذكر الفرس بعد ذلك مثالاً لقصد بيان الفعل كما جرى اصطلاحهم، وصاحبنا قيّد المادة بالفرس رأساً. وأمثال هذه كثيرة. وأما المسائل التي خطّأه فيها وكان هو المخطئ وتعنّته عليه أحياناً في ما لا حرج فيه إلى غير ذلك فشيء يطول الكلام عليه. وأعود الآن إلى ما كنت في صدده.

وأما قوله: إذ القاعدة أن الأشياء الظاهرة تكون أصلاً للباطنة على ما ورد في لسان العرب، وزعمهُ أن الرَبَض للأمعاء هو من هذه الأشياء الباطنة، فلزم أن يكون مأخوذاً من الربوض لأن الربوض ظاهر. فهذا هو التشدق بعينه.المراد بالأشياء الظاهرة في عبارة صاحب اللسان: الأشياء المحسوسة وهي التي تُدرك بالحواس الظاهرة وخلافها الباطنة، والمراد بها الأشياء المعقولة التي لا تُدرك إلا بالمشاعر الباطنة. فأين الرقمتان من وادي الغضا؟ والظاهر أنه يفهم بالأشياء الباطنة ما كانت مستورةً عن العيان وخلافها عند الظاهرة، ولذلك عدَّ الرَبَض باطناً وتكلف التعبير عن العَبَث في هذا التأويل لا يكون إلا من العَبَث فنتركه لأولي العلم ينظرون فيه. بل قد ورد في سرّ الليال صفحة 11 [أدناه ص 412] ما نصه: ((إن أهل اللغة جميعاً قد أجمعوا على أن المهذَّب للرجل الكامل مأخوذ من تهذيب الشجرة بناءً على أن الأمور المعنوية أو العقلية مأخوذة من الأشياء الحسية، وذلك موجود في جميع اللغات ضرورة. أن الحواس الظاهرة هي التي تبعث الحواس الباطنة على التفكر والتخيّل. فإن من لم يَرَ الأسد مثلاً قط ولم يسمع به لم يخطر بباله أن يشبه به رجلاً شجاعاً وهذا كما يُحكى عن ابن المعتز، رحمه الله، من أنه كان ينظر إلى آنية بيته ويشبّه بها. وتقرير ذلك أن العقل مأخوذ من عقلت البعير، ومثله لفظة الحجْر اشتقاقاً ومعنى. والحِكمة من حَكَمَة اللجام، والذكاء لتوقد الذهن من ذكاء النار. ومثله الألمعي و الثاقب)). إلى آخر ما فصّل بالصواب.

وهنا كلّ العجب وما أدري ما الذي حمله على أن يعدل إلى الجهل بعد المعرفة ويحاول أن يخطّئ نفسه في ما أصاب به. ولا أعلم و الحالة هذه بماذا أعبر عن مثل هذه الخُلق فهو يشبه البله ولكنه ليس منه. ويشبه الخَرَق ولكنه ليس منه. وفيه طَرَفٌ من شبه الحمق والله وأعلم. اللهم إلا أن يكون قد نسي ما قرَّره في سر الليال مما تقدَّم نصه فلا يشبه شيئاً من ذلك إنما تكون المسألة من باب المعاندة. ولكن لا يصح هذا الفرض لأنه قد ذكره في ردّه ودلَّ على موضعه وأورد منه شيئاً، فهل يكون النسيان في الذكر؟ لا جرم أن ذلك يكون من خوارق الطبع. فتبصر والأمر مشكل.

قلت وإنما أخذَت الأشياء الباطنة من الأشياء الظاهرة، لأن الأشياء الباطنة لا وجود لها في الخارج فسّموها بما يناسبها في المعنى من تلك. وذلك أما من مفاعيلها كما في العقل والحِجْر بالكسر وقد ذكرهما والحِجى بكسر ٍ ففتح ِ والنُهى بضم ففتح وكلها بمعنى. فإن الأول مأخوذ من عَقل البعير أي شدّة بالعقال، و الثاني من الحَجْر بالفتح أي المنع، و الثالث من قولهم أن جحا فلاناً أي منعه، و الرابع من النهي بالفتح أي الزجر أو المنع. كأن المراد أن يعقل صاحبه أو يحجره أو يحجوه أو ينهاه عن التجاوز إلى المحظورات. وإما من حيث هيئتها المتوّهمة في الذهن كالتصور العقلي فإنه مأخوذ من التصوير العملي بجامع إبراز الهيئة وتشخيصها فشُبه به. أو غير ذلك من الوجوه التي تُعتبر في مثل هذا

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير