تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وربما أخذ الظاهر من الظاهر على هذا التشبيه ككوكب العين لنقطة بيضاء تحدث في سوادها فإنه مأخوذ من الكوكب بمعنى النجم بجامع الهيئة بينهما. وهذا كثيرٌ. وورد الضِلع بمعنى العود فيه عِرَضٌ فإنه مأخوذ من ضِلَع الحيوان على التشبيه أيضاً. وعلى مذهب صاحبنا الآن ينبغي أن يكون هو أصلاً لضِلَع الحيوان لأنه يعد ضلع الحيوان من الأشياء الباطنة وهو أظهر من أن يتكلف له البرهان. وورد حبل الوريد لعرق في العنق وهو من باب إضافة الشيء إلى نفسه. فإنه مأخوذ من الحبل المعروف. وهو عكس ما تقدَّم. وجاء الرئة و الحرقدة مما يتوهمه باطناً، و الفهم و الفطنة والبَله مما هو باطن حقاً وغيرها وليس في مادّتها ما يتأتى مأخذها منه. وقس على كل ذلك. وأقرب ما أراه في مأخذ الرَبَض للأمعاء أنه من الرَبَض لحبل الرحل على التشبيه به. وأنت تدري أن العرب كانت كيفما انقلبت فالرحال بين أيديها ونصب أعينها في الحَضَر و السفَر وفي جميع أحوالها. فالمظنون أن هذا التشبيه أقرب ما يخطر لها. والله أعلم بالصواب.

وأما يكون رَبَض مأخوذاً من رب على ما زعم وأن اللغة جارية بأسرها هذا المجرى فكل مادةٍ ترجع إلى أصل يُحكم بأخذها منه على وجه الاطراد و القياس كما عوَّل في كتابه سر الليال، فشيء بينه و بين المحال نسبةٌ أقرب مما بينه وبين أن يصدّقه عاقل. ولقد خطر لي الآن ما لو خطر له لما باشر تأليف هذا الكتاب، ولا تجشّم لأجله عناء السهر وكدّ القريحة في غير شيء. قال في أول كتابه الساق على الساق في ما عنوانه تنبيه من المؤلف: ((ومنه إيراد ألفاظٍ كثيرة متقاربة اللفظ و المعنى من حرفٍ واحدٍ من حروف المعجم نحو الغطش و الغمش و البهز و البحز و البغز و الحفز تنبيهاً على أن كل حرف يختص بمعنى من المعاني دون غيره وهو من أسرار اللغة العربية التي قلَّ من تنبّه لها. وقد وضعتُ لهذا كتاباً مخصوصاً سمّيته منتهى العجب في خصائص لغة العرب. فمن خصائص حرف ((الحاء)) السعة و الانبساط نحو الابتحاح و البداح و البراح والأبطح ولأبلنداح و الجح و الرحرح و المرتدح و الرَوح و التركح و التسطيح و المسفوح و المسمح في قولهم: إن فيه لمسمحاً أي متسعاً، و الساحة و الانسياح إلى آخره. ومن خصائص حرف ((الدال)) الين و النعومة والغضاضة نحو البراخدة و التيد و الثأد و الثعد و المثمعدّ و المثمغدّ و الثوهد و الثهمد و الخبنداة، إلخ ويلحق به الأمور المعنوية الرغد و السرهدة والجد وغير ذلك. وربما عادلوا في بعض الحروف أي راعوا فيها الإكثار من النقيض. فإن حرف ((الدال)) يشتمل أيضاً على ألفاظٍ كثيرة تدل على الصلابة و القوَّة و الشدة وذلك نحو التأدد و التأكيد و التأييد و الجلعد و الجامد)) إلى آخر ما قال على هذا النسق.

و الحاصل أنه عوَّل هنا في تناسب معاني الألفاظ على الحرف الأخير منها دون اعتبار ما قبله. فكل طائفة منها خُتمت بحرف من حروف المعجم كانت مختصة بمعنى واحد يردُ في جميعها ولا يشاركها فيه غيرها مما ختم بغير هذا الحرف. والذي جزم به في سر الليال أن تناسب معاني الألفاظ إنما هو منوطٌ بالحرفين الأولين منها دون اعتبار ما بعدهما. فكل طائفة منها بُدئت بحرفين من حروف المُعجم كانت مختصة بمعنى واحد يردُ في جميعها ولا يشاركها فيه غيرها مما بُدئ بغير هذين الحرفين. وربما شرك بينها مجانسة الحرفين في بعض المواد للحرفين في غيرها. وبالجملة لا علاقة للحرف الثالث فما يليه بأمر المعنى أصلاً. فهو يقول على هذا: ((إن آب وأَبأ وأبت وأَبث والأبج وابد وابر وابز وابس وابش وابص وابض وأبط وابق وابك وابل وابن وابه وابى وما يشاركها في موادّها كلها مأخوذةٌ من موضع واحد وهي أب وهي متواطئة على معناهُ بأسرها. وأصل معناها في الهمزة و الباء، وما يليهما لا عبرة له في الدلالة على المعنى)) وإذا رجعت إلى قوله الأول وجدت أن آب مثلاً راجعةٌ في المعنى إلى أبَّ وأتب وأدب وأرب وأزب وأسب وهلم جرَّا وأبا لاحقة بأجأ وبأبأ وبدأ وبذأ وبرأ وبسأ وهلم جرَّا في الجميع. فيكون قد تنازع هذه الألفاظ تسعة عشر موضعاً على عدد الحروف المختومة بها وكل واحدٍ منها قد تواطأ مع طائفته على معنى مختص به دون غيره، وأصل هذا المعنى في الحرف الأخير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير