تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وإنما أراد في البيت أنه رأى الملوك جميعاً فذهب وهمُ المعترض إلى الخلاف. قال الشيخ أبو العلاء المعري في شرحه: إن سيف الدولة أنشد هذه القصيدة فلما انتهى إلى هذا البيت قال: ترى هل نحن في الجملة. اهـ.

قلتُ: وتلك صفةٌ يتزيّى بها كثيرون من أمثال هذا المعترض وهم أقوامٌ من المسفسفين قل خلاقهم من الأدب وطمحت أطماعهم إلى مباراة أهل الفضل فإذا تأزلت صدورهم وقصرت هممهم عدلوا إلى تخطئة أقوال العلماء وشوهوا عرائس كلماتهم اعتقاد أن ذلك يكون دليلاً على سعة العلم وغزارة المادة. لأنه قد تقرر عند مثل هؤلاء أن من أدرك زلة لعالم ٍ كأنما أدرك علمه، وربما سولت لهُ نفسهً أنه قد أسقط فضله واستقلَّ به. ورحم الله أبا تمام حيث يقول:

وإذا أراد الله نشر فضيلة طُويَت أتاح لها لسان حَسود

لولا اشتعال النار في ما جاورت ما كان يُعرف طيب عرف العود

وأما صاحبنا حياهُ الله، فقد ذكرتُ له بمسألة تصدَّيَّ و الإدغام مسائل شتّى ثبت عندي بها أنه يجهل قوانين هذا الباب ولا يعرف أحكامه. فمن ذلك قوله في كتاب الساق على الساق صفحة 52: ((لا يَغْررنكمُ كثير جموعهم)). فكّ الإدغام في يغررنّ في الموضعين وهو واجبٌ لأن حركة الراء الثانية فيهما لازمة لبناء الفعل عليها مع نون التوكيد. ولعلّ الذي ذهب بوهمه إلى جواز الفكّ أن الفعل واقعٌ بعد جازم ٍ، فحسب أن الجزم واقعٌ على لفظة وأن الحركة فيه عارضة كما في قوله: (وَمَن يُضَلِل ِ اَللهُ فَمَا لَهُ مِنَ هَادٍ) [سورة الرعد، رقم 13، الآية 33]. وهو وهمٌ بعيدٌ، لأن حركة اللام الثانية من يضلل في الآية إنما أتي بها دفعاً لالتقاء الساكنين، فهي في حكم السكون فلا يجب معها الإدغام بخلاف ما هناك كما تقرّر، وعليه قوله: (لاَ يَغُرَّنَكَ تَقَلُّبُ اُلَّذِينَ كَفَرُواْ) [سورة آل عمران، رقم 3، الآية 196]. وقال الشاعر:

لايَغُرَّن امرءاً عيشهُ كلّ عيش ٍ صائرٌ للزوال

وهو مستغن عن البيان. ولعله يحتجّ بضرورة الوزن كما في قول بعضهم: الحمد الله العلي الأجلل. على أنه ما زال عرضة للانتقاد ومثالاً عند الصرفيين للشذوذ و عند البيانيين للخروج عن الفصاحة يحذّرون من ارتكاب مثله. فلا بأس أن أورد له شيئاً من ذلك في النثر أيضاً. فمنه قوله في صفحة 200 من هذا الكتاب: ((إن قوماً من الهُككاء)) والصواب الأهكاء كالصحيح و الأصحاء، لأن صيغة فُعلاء لا تُستَعمَل في المضاعَف. وقوله في صفحة 221: ((ويتطالل إلى بعض استعارات باردة)). مع أن الفعل منصوب. وفي صفحة 550: ((وإذا تطالل واشرأبّ)) وأمثاله كثيرة، وكلّ ذلك مقرّر في علم الصرف ولكنه لم يدخل في علمه. ومن كان هذا مبلغ ما عنده فلينتدب لتخطئة العلماء ومعارضة أولي الفضل، بل ليعتمد على القذف و التنديد في موضع الحجّة و البرهان. فيا لله.

ومما خطّأني به قولي: وشهد الله أني مذ اليوم لم أكن أتوقّع مثل ذلك قال: والصواب إلى هذا اليوم، انتهى. وكأني به لو وقعت له هذه المسألة لم يفتر أن يورد عليها عبارة صاحب القاموس في أثناء الكلام على منذ ومذ حيث يقول: ويليها اسمٌ مرفوع كمنذ يومان وحينئذٍ مبتدآن ما بعدهما خبر. ومعناهما الأمد في الحاضر و المعدود وأول المدة في الماضي. انتهى.

ومثلها عبارة الكليات و المغني وغيرهما. فإن ثبت أن اليوم حاضرٌ كانت مُذ أمداً لمتعلقها، أي غاية له. ولم يكن في العبارة خطأ سوى سوء الفهم أو التعنت في غير محله. والظاهر أن صاحبنا يذهب إلى أن ما وافق ومفهومه كان صحيحاً، وما ليس كذلك فهو خطأ وإن نصّت عليه العلماء. والذي عندي أن متابعة آرائهم أَولى من متابعة رأيه وإن كان ذلك يوجب غيظه مني.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير