ومن ذلك قوله في صفحة 43: ((وإنهم وإن يكونوا سيّئي الأدب على الطعام فهم متأدبون)). فإدخال ((الواو)) على أن يُشعر بأنها الوصليّة، وإدخال ((الفاء)) على جملة الجواب يشعر بأنها الشرطيّة، وضاع خبر ((إن)). فإحدى الزيادتين خطأ. والصواب إما إسقاط ((الواو)) فيكون الشرط وجوابهُ خبراً، وإما إسقاط ((الفاء)) فيؤخذ الخبر مما يليها ويتعيّن كون ((إن)) وصلية وجوابها محذوفٌ للاستغناء عنه بالخبر كما تقرّر في علم النحو. ومثله قوله في صفحة 237 (وهما وإن أظهرا له الخضوع ففي قلوبهما منه حزازات)). وأقبح منه قوله في صفحة 327: ((فإنه وإن يكن مقامه بين الناس كريماً إلا أنه لا يمكنه)). وقوله في صفحة 125: ((إني وإن كنت بشراً مثلك لكني وكيل)). فما أدري كيف صحّ عنده هذا التركيب. ويجري هذا المجرى قوله في صفحة679:
((فإذا رضيت فكل سخطٍ هيّنٌ وإذا وصلت فلم أبال بهاجر ِ))
فربطُ جواب ((إذا)) الثانية بالفاء خطأ مُفسِد لأنها تقضي بانفصال ما بعدها عما قبلها وجعله خبراً لمحذوفٍ لا جواباً، ويكون التقدير فإنا لم أبال فتمحّض المضيّ في الفعل وهو عكس المراد لأنه مرتب على ما قبله في المعنى. والصواب إسقاط ((الفاء)) فينصرف الفعل إلى لإستقبال لتسلط أداة الشرط عليه حينئذٍ كما لا يخفى. ألا ترى ما قال بعد هذا البيت:
((وإذا بقربك كنت يوماً نافعي لم أخشَ شيئاً بعد ذلك ضائري))
فالمعنى هنا صحيح لأن الفعل المتحوّل إلى المضيّ بلم قد تحول إلى الاستقبال لوقوعه في الجواب مباشراً، بخلاف الأول لأنه واقعُ في البر لا في الجواب كما علمت.
ويقابل الزيادة عنده النقص أحياناً، أعني نقص حرف أو كلمة لا شيئاً آخر. وذلك كقوله في صفحة 526 من كتاب: ((قلت أتعنيهم أم تعنيهنّ)). حذف ((نون)) الرفع وهو خطاب للأنثى. ومثله قوله:
((ألم تفقهوا لابن الحُسين مقالةً تقيكم عنا غماء فيها تخاطروا))
وفيه حذف ((النون)) أيضاً. وقوله:
((فلم يبقَ إلا من درى سوء رأيكم به وبدا من أمركم ما تحاذروا))
وبين كل ذلك من سخافة التركيب وفساد المعاني في مواضيع كثيرة وتعقيد العبارات إلى غير ذلك ما لا يخفى على أولي الذوق السليم.
ولقد أعجبني قوله وهو يعرّض بأبي رحمه الله: ((ومن شأن الشاعر إذا تعمّد إيراد لفظة غريبة أن يتروّى فيها ولا يوردها مجازفةً)) انتهى. ومقتضاه أن الناثر لا يجري عليه هذا الحكم. على أنه يشير بهذا إلى لفظة ((الفحطل)) وهي إنما جاءت في النثر لا في الشعر، فما أدري ما الذي جاء بذكر الشاعر. و الظاهر أنه لا يفهم المراد من إطلاق لفظة الشاعر فيظن أنه إذا نثر أيضاً سمي شاعراً. ومن كان هذا مبلغ فهمه لم ينكر عليه أن يتفتّح في كلامه بأبلغ من ذلك.
ولعمري، وإن أجهل الأغبياء لا يقول كما قال في كتابه الساق على الساق صفحة 664: ((فإما غيره من التراجمين)) أراد جمع الترجمان فأحوج إلى ترجمان. وهو من الجموع التي لم يسبق إليها لسان عربيّ، فما أدري أنّى استفاده. والصواب تراجم كزعفران وزعافر على ما ورد من كتب الأئمة. فيا ليت شعري أتراه تروَّى في هذه اللفظة لما ذكرها أم أوردها مجازفة؟ ألا وهو الذي يقول في صفحة 31 من هذا الكتاب: ((تتعقّبني بزلة قلم وبغير زلة)).
أراد وبزلة غيرها،ونحوه فإلتوى عليه المراد،وإن هي إلا زلة. وهذا يقرب من قول القائل: ((صدارة عظمى الملك إن أفل البدر)) أراد صدارة المُلك العُظمَى. فلما قدَّم الوصف اختل التركيب وفسد المعنى كما لا يخفى، وعلى حدّ عبارته التي مرّ ذكرها قوله بعد ذلك في حديث ((المرابض)): ((فإن أراد الشاعر الرجوع إلى أصل الفعل كان لا بُدّ له من التقييد كأن يقول مثلاً محافل الماء)). انتهى. وفيها ما في التي سبقت من نقص التعبير على أنها وحدها كافية لنقض جميع ما ماحك به في لفظة ((المرابض)). فإنه يشير بها إلى أنه يصحّ أن تُستعمل ((المرابض)) للخيل ولكن بشرط التقييد كأن يقال ((مرابض الخيل)) حذراً من الالتباس. وهو عين المصرَّح به في البيت الذي أُخذ عليه هذا الاعتراض حيث قيل: تكثر الخيل في المرابض إن عدَّت. إلى آخره. فتأمل.
¥