تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن ذلك قوله: ((إني ذكرتُ في آخر سر الليال أني سأبيّن الغلط الذي وقع فيه في جدول ٍ مخصوص بعد ختام الكتاب بأسره))، انتهى. وهنا إلتوى عليه المعنى أيضاً، فإنه يقول إنه ذكر ذلك في آخر سر الليال، ثم يقول: إنه سيبين أغلاطه بعد ختامه. فعبارته الأولى تُشعر بأن الكتاب انتهى وأتى على آخره. وعبارته الثانية تُشعر بأن نهايته منتظرة فتدافع القولان. والصحيح أنه ذكر ذلك في آخر الجزء الأول من الكتاب لا في آخر الكتاب. اللهم إلا أن يكون سرّ الليال أسماً للجزء الأول من الكتاب فقط فلا يكون في المعنى إلتواء. ولكن يستدل به على سمو قيمة هذا المؤلف بأن وضع له أسماءً كثيرة فجعل لكل جزء منه اسماً مخصوصاً. ويحتمل أن يكون أشار بذلك إلى غرابة الكتاب فدلّ عليها بغرابة التسمية، والله وأعلم.

ومن ذلك قوله: ((إني لما أوردت ((الفطحل)) و ((المربط)) نسبتهما إلى غلط السهو))، انتهى.

ومقتضى نصه أن ((الفطحل)) و ((المربط)) غلط، مع أنه شاحن وماحك جهده لينسب إليهما الصحة، لا لينسبهما إلى الغلط فعاد هنا إلى تخطئة نفسه. وأمثال ما ذُكر كثيرةٌ في كلامه، فإنك إذا تأمّلته تأمل المنتقد وجدت فيه ما يحملك على العجب من غباوته ومن تهافته مع ذلك على المعارضة و السجال. ورحم الله القائل:

ومن عجب الأيام أنك لا تدري وأنك لا تدري بأنك لا تدري

ومما أعجبني في هذا الرد قوله: ((فأما قول اليازجي أن قصدي بإيراد هذه اللفظة ظاهر، فالأظهر أن يقال إنه ندب أضرابه من أهل بيروت للتحزّب معه عليّ))، انتهى. فلا جَرَم أنه من التأويلات المُضحكة، وما أدري كيف استنتجه لله درّه.

ولعمري، ما أرى في هذا الموقف ما يستحقّ أن يُنَدب إليه أحد ولكن ما زال هذا معظم خوف صاحبنا ومسند أمله. فكثيراً ما عّرض به في هذا الرّد فنكب عني وحزّب إليه، وهو يظنّ المسألة قائمة بكثرة المتحزّبين حتى بعثته صفاقة وجهه على أن صرّح في أواخر ردّة فقال: ((فليعلمنَ أن المنتصرين للجوائب أكثر من المنتصرين للجنان و لليازجي)). فلا ريب إنه كلام أولى أن يزجّه في قعر دواته ويخجل من ذكره. وما أظن عاقلاً إلا يعذله عليه ويلومه. بل الأظهر أنه يريد بكلامه هذا أن يبعث الفتنة ويبني على هذه المناقشة أموراً درست منذ زمنٍ مديد وأصبحت هباءً منثوراً. وهيهات ما يتمنى. فإن تلك الأحاديث قد أصبحت في خبر كان وعناية دولتنا العليّة في آثارها يوماً فيوماً. فإنها أيّدها الله بعد أن نشرت ما نشرت من ألوية التمدن و العرفان في ممالكها المحروسة وبثّت ما بثّت من نوايا السلام والإلفة بين رعاياها قد أصبح ذلك أمراً لا مطمع فيه. ولعمري، ما أرانا في ساحة حربٍ تزدحم فيها الحوافر و الأقدام حتى تقتضي كثرة المدّد. ولا أرى الناس في يدي، ولا أظنهم في يده يندبهم حيث شاء. وإنما نحن في مقام جَدَليّ تزدحم فيه الأفكار ولا ينفع فيه اصطدام الأقلام و كثرتها. وآية الاستظهار بيننا إنما هي نصوص الأئمة رحمهم الله، و البراهين العلمية فمن ظفر منا بشيء من ذلك فنعمّا وإلا فما يغني عنه إلا السكوت، فما الموجب لهذا القول الذميم؟

ومن غريب ما جاء في كلامه زعمه أنني خطّأته لأنه رثى أبي رحمه الله. أو كما عبّر ندّدت به. وهو يحسب التخطئة تنديداً وفيه اعتبارٌ ما. فلا ريب أن هذه كانت أولى حُظيّاته مما أشرت إليه كأنه يريد أن يحمل عليّ أولي الفضل بأنني أتيت مثل ذلك في وجه من بادأني بالجميل. غير أن ذلك قد فاته بظهور كلام الفريقين، ومن وقف على القالين علم الحقيقة وأنصف بيننا وأغناني عن الاعتذار. بل الأولى أن يقال إنه لم يتلقّني بما تلقّاني به هذه المرّة إلا مكافأة لي على احترامي له وحفظي كرامة شيخوخته وعهد صداقته مع أبي رحمه الله، كما تلقّى أبي بالانتقاد عليه بعد وفاته مكافأةً له على ما تكلفه من مدحه. وبالجملة أرى له أن لا يفتح على نفسه هذا الباب أي باب الحقوق الأدبية لأنه قلما يُحمَد فيه.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير