تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وتسلل على الفور رأس الفتنة اليهودي حيي بن أخطب إلى بني قريظة وهي القبيلة اليهودية الوحيدة التي بقيت في المدينة إلى ذلك الوقت، (46) وكان بينها وبين المسلمين حلف يقضي بالنصرة حال الحرب (47)، ولما علم زعيم بني قريظة كعب بن أسد بقدوم حيي بن أخطب أمر بإقفال باب حصنه في وجهه، وطلب منه مغادرة الديار (48)، وقال له: ارجع عنا فإنك إنما تريد هلاكي وهلاك قومي، وإني عاقدت محمداً وعاهدته فلم نر منه إلا صدقاً، والله ما أخفر لنا ذمة، ولا هتك لنا ستراً، ولقد أحسن جوارنا (49).

لكن حيي بن أخطب أبى أن يرجع وظل يحاور كعباً وعدداً من سادة بني قريظة حتى استجابوا لطلبه ووافقوا على نقض العهد مع المسلمين والانضمام إلى جيوش الأحزاب؛ شريطة أن يبقى حيي معهم في حصونهم ليصيبه ما أصابهم إذا انسحبت الأحزاب دون أن تقضي على المسلمين (50).

ولقي هذا القرار معارضة عدد قليل من اليهود على رأسهم عمرو بن سعدى، وكان موقفهم هذا سبباً في نجاتهم فيما بعد.

عاد حيي بن أخطب إلى زعماء الأحزاب بخبر نقض بني قريظة العهد مع المسلمين، فقرروا مهاجمة المدينة لكنهم فوجئوا بالخندق، وقالوا: إن هذه لمكيدة ما كانت العرب تكيدها، وساروا على امتداد الخندق يبحثون عن معبر يمرون منه فلم يجدوه، وكان المسلمون يتابعون تحركاتهم من الطرف الآخر للخندق، وكلما اقتربت مجموعة من المشركين من جهة من جهات الخندق تصدى لها المسلمون،وحاول بعض الفرسان اقتحام الخندق فردهم المسلمون بالنبل والحجارة، واستمرت المواجهات عبر الخندق طوال النهار، فلما غربت الشمس عاد المشركون إلى معسكراتهم.

واضطر بعض المسلمين إلى تأخير بعض الصلوات عن أوقاتها، فعن جابر رضي الله عنه أن عمر بن الخطاب جاء يوم الخندق بعد ما غربت الشمس جعل يسب كفار قريش وقال: يا رسول الله ما كدت أن أصلي حتى كادت الشمس أن تغرب، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "والله ما صليتها" فنزلنا مع النبي صلى الله عليه وسلم بطحان فتوضأ للصلاة وتوضأنا لها فصلى العصر بعدما غربت الشمس ثم صلى بعدها المغرب (51).

وبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاء حيي بن أخطب ببني قريظة، فأرسل الزبير بن العوام يستطلع الأمر، فرجع فقال: يا رسول الله رأيتهم يصلحون حصونهم ويدربون طرقهم وقد جمعوا ما شيتهم. (52) فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عدداً من الصحابة فيهم سيد الأوس سعد بن معاذ وسيد الخزرج سعد بن عبادة، وقال لهم: ((انطلقوا حتى تنظروا أحق ما بلغنا عن هؤلاء القوم أم لا؟ فإن كان حقاً فالحنوا لي لحناً أعرفه ولا تفتوا في أعضاد الناس، وإن كانوا على الوفاء فيما بيننا وبينهم فاجهروا به للناس (53).

فلما ذهبوا إليهم جاهروهم بالعداوة وقالوا: مَن رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد ولا عقد، وتشاتموا مع الوفد، فرجع الوفد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: عضل والقارة أي: كغدر عضل والقارة بأصحاب الرجيع، فكبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أبشروا يا معشر المسلمين بنصر الله وعونه (54).

وتكررت محاولات المشركين اقتحام الخندق، وتصدى لهم المسلمون، واستمر التراشق بالسهام والحجارة، وظهرت بوادر غدر اليهود، وأخذ بعضهم يطوف بالحصون التي وضع

فيها المسلمون النساء والأطفال والشيوخ، فأحس المسلمون بالبلاء، ونجم النفاق في ضعفاء الإيمان، وجهر به بعضهم، وقالوا: كان محمد يعدنا أن نأكل كنوز كسرى وقيصر،وأحدنا اليوم لا يأمن على نفسه أن يذهب إلى الغائط (55)، وطلب بعضهم أن يرجع إلى داره بحجة أنها قريبة من العدو (56).

وشاع خبر بأن بني قريظة تريد أن تغير على الذراري والنساء ليلاً وأنهم طلبوا من حيي بن أخطب أن يأتيهم بألف من قريش وألف من غطفان ليهاجموهم من داخل المدينة (57)، فاشتد البلاء على المسلمين، وبلغ الخوف ذروته، وصاروا كما قال سبحانه: ((إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر وتظنون بالله الظنونا، هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزالاً شديداً)) (58)، ولمجابهة هذا الأمر أرسل النبي صلى الله عليه وسلم مجموعتين من الصحابة بقيادة سلمة بن أسلم بن خريش الأشهلي وزيد بن حارثة يطوفون بالمدينة ويظهرون التكبير في أرجائها حتى الصباح. (59)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير