وقال ابن قيم الجوزية-رحمه الله-"وهكذا أسماؤه الدالة على صفاته هي أحسن الأسماء وأكملها؛ فليس في الأسماء أحسن منها، ولا يقوم غيرها مقامها، ولا يؤدي معناها.
وتفسير الاسم منها بغيره ليس تفسيراً بمرادفٍ محض، بل هو على سبيل التقريب والتفهيم. وإذا عرفت هذا فله من كل صفة كمال أحسن اسم وأكمله وأتمه معنى، وأبعده وأنزهه عن شائبة عيب أو نقص:
فله من صفة الإدراكات"العليم"،"الخبير"دون"العاقل"،"الفقيه"،و"ا لسميع"،"البصير"دون "السامع"و"الباصر"و"الناظر".
ومن صفات الإحسان"البر"،"الرحيم"،"الودود"دون"الرفيق"و"الشفوق "ونحوهما.
وكذلك"العلي"،"العظيم"دون"الرفيع"،"الشريف".
وكذلك"الكريم"دون"السخي"،و"الخالق"،"الباريء"،"المصو ر"دون"الفاعل"،"الصانع"، "المشكل"،و"الغفور"،"العفو"دون"الصفوح"،"الساتر"،وكذ لك سائر أسمائه-تعالى-يجري على نفسه منها أكملها وأحسنها وما لا يقوم غيره مقامه؛ فتأمل ذلك.
فأسماؤه أحسن الأسماء؛ كما أن صفاته أكمل الصفات؛ فلا تعدل عما سمى به نفسه إلى غيره؛ كما لا تتجاوز ما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله-صلى الله عليه وسلم-إلى ما وصفه به المبطلون والمعطلون"ا. هـ."بدائع الفوائد"1/ 167 - 168.
وقال أيضاً في تفسير "الحسنى":"أي: أحسن من غيرها؛ فهي "أفعل"تفضيل، معرَّفة باللام، أي: لا أحسن منها بوجه من الوجوه، بل لها الحسن الكامل التام المطلق، وأسماؤه الحسنى وآياته البينات متضمنة لذلك، ناطقة به، صريحة فيه-وإن ألحد فيها الملحدون، وزاغ عنها الزائغون-"ا. هـ."الصواعق المرسلة على الجهمية والمعطلة"4/ 1443.
وقال أيضاً:"وكذلك أسماء الرب-تعالى-كلها أسماء مدح، ولو كانت ألفاظاً مجردة لا معاني لها لم تدل على المدح، وقد وصفها الله-سبحانه-بأنها حسنى كلها؛ فقال:"ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون" [الأعراف:180]،فهي لم تكن حسنى لمجرد اللفظ، بل لدلالتها على أوصاف الكمال؛ ولهذا لما سمع بعض العرب قارئاً يقرأ:"والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله" [المائدة:38]،والله غفور رحيم"قال:"ليس هذا كلام الله-تعالى-"؛ فقال القارئ:"أتكذب بكلام الله-تعالى-؟
فقال:"لا، ولكن ليس هذا بكلام الله"؛فعاد إلى حفظه وقرأ:"والله عزيز حكيم"؛فقال الأعرابي:"صدقت؛ عزَّ؛ فحكم؛ فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع".
ولهذا إذا ختمت آية الرحمة باسم عذاب أو بالعكس ظهر تنافر الكلام، وعدم انتظامه، وفي السنن من حديث أبي بن كعب:"قراءة القرآن على سبعة أحرف"،ثم قال:"ليس منهن إلا شاف كاف، إن قلت سميعاً عليماً عزيزاً حكيماً، ما لم تختم آية عذاب برحمة، أو آية رحمة بعذاب"ا. هـ."جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام"ص172 - 173،وانظر" مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين"1/ 208،417.
وقال السعدي –رحمه الله-على هذه الآية:"هذا بيان لعظيم جلاله، وسعة أوصافه بأن له الأسماء الحسنى، أي: له كل اسم حسن.
وضابطه: أنه كل اسم دال على صفة كمال عظيمة؛ وبذلك كانت حسنى؛ فإنها لو دلت على غير صفة، بل كانت علماً محضاً لم تكن حسنى.
وكذلك لو دلت على صفة ليست بصفة كمال، بل: إما صفة نقص، أو صفة منقسمة إلى المدح والقدح لم تكن حسنى.
فكل اسم من أسمائه دال على جميع الصفة –التي اشتق منها-،مستغرقٌ لجميع معناها"ا. هـ. "تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان" 3/ 120
منقول بتصرف يسير ..