تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومن المعلوم أن الإمامين لم يستوعبا ذكر جميع ما صح لديهما؛ لذا توجد بعض الأحاديث التي صححاها ولم يخرجاها في الصحيحين، وسبب ذلك عدم استيعابهما للأحاديث الصحيحة، واكتفائهما بما أوردا فيهما من أصل الحديث، أو لنزول سندهما.

ومما يلفت الانتباه إليه أنهما قد يطلقان على حديث مقبول بصحته ولا يريد بها المعنى المتعارف لمصطلح (صحيح).

س48/ عندما أطبّق قواعد التفرّد على أحاديث (النهي عن التنعّل قائماً) أَصِلُ (بارك الله فيكم) إلى نتيجة كون الحديث لا يصحّ، فما قول فضيلتكم؟

ج/ نعم، لا يصح الحديث، وهي نتيجة سليمة فعلا، وبها تنسجم – أخي الكريم، حفظك الله تعالى - مع منهج النقاد؛ كأحمد بن حنبل والبخاري والترمذي وابن عدي وغيرهم (رحمة الله تعالى عليهم) إذ أعلوا هذا الحديث بعبارات مختلفة، واتفقوا على عدم صحته، على الرغم من تعدد طرق هذا الحديث، وفي الوقت ذاته لم يتجاوز المتأخرون موقف النقاد، ولم يعترضوا على تعليلهم، حين اكتفوا بالحكم على ظاهر السند؛ فمنهم من حسن بعض أسانيده، ومنهم من قال إن رواة بعض الأسانيد ثقات، أو الإسناد صحيح، وهذا الحكم لم يتجاوز ظاهر السند، يعني غاية ما في ذلك أن رواة بعض الأسانيد ثقات، أو فيهم صدوق لا أكثر ولا أقل، بغض النظر عما تكلم النقاد من التفرد، اللهم إلا ما ذكر المباركفوري (رحمه الله تعالى) معقبا على الترمذي بقوله: ’’فقول الترمذي لا نعرف لحديث قتادة عن أنس أصل محل نظر‘‘.

وأنت ترى أن تعليل النقاد لم يكن مبنيا على أحوال الرواة، وإنما على التفرد والمخالفة، مع أنهم أدرى بأحوالهم، ولم يصدر منهم ما يدل على ضعف الرواة الثقات أو الراوي الصدوق.

وهذا التفاوت المنهجي هو الذي يرتكز عليه أساسا كلامنا حول المتقدمين والمتأخرين؛ فنرى الحافظ المقدسي يحسن سند حديث أنس، بعد أن نقل قول الترمذي بأنه لا يصح عند أهل الحديث، ويتمثل هذا التفاوت المنهجي بينهما فيما يأتي:

كان الحافظ المقدسي قد حسن السند بناء على أحوال الرواة؛ يعني أن السند ليس فيه ضعيف، بينما الترمذي يتجه إلى الحديث وروايته بقوله ’’هذا حديث غريب‘‘، وأيده بقول البخاري ’’ ولا يصح هذا الحديث، ولا حديث معمر عن عمار عن أبي هريرة‘‘،كما استنكره الإمام أحمد من قبل، ثم بعد ذلك رجح الدارقطني وقف الحديث على أبي هريرة، وأما المتأخرون فنظروا في ظاهر السند، ففيهم من حسن السند كالإمام النووي، ومنهم من قال: رواته ثقات؛ كالهيثمي والمباركفوري، وفيهم من قال: هذا إسناد صحيح، دون أن يقول: ’’هذا حديث صحيح‘‘، وبين القولين فرق يعرفه من درس كتب المصطلح.

وإذا قمت بتتبع كل ما ورد في رواية الحديث من الطرق، كطريق جابر وأنس وأبي هريرة وابن عمر وابن عباس، وحاولت فهمها على منهج النقاد فإنك لا تقدم أبدا على الاعتراض عليهم بتطبيق قاعدة تعدد الطرق يقوي بعضها بعضا، بحجة أنها ليست من رواية المتروكين.

س49/ ما هي المباحث العلميّة التي تقترحون على طلاب الحديث أن يشتغلوا بها في هذا الوقت؟

ج/ تقع على عاتق طلاب الحديث مسؤولية كبيرة تجاه السنة النبوية التي أصبحت في المرحلة الزمنية التي نعيشها مجالا مفتوحا ومسموحا لكل من هب ودب، فيصححون ويضعفون ويحسنون ويستنبطون الأحكام أو يستدلون بها، دون أن ينضبط ذلك بقواعد التصحيح والتعليل، وأصول التفسير والتأويل، ولذلك تكون مهمة الطلاب في هذه المرحلة كبيرة، ولا يجوز التهاون بها، لينفوا عن السنة تحريف الغالين وتأويل الجاهلين وانتحال المبطلين.

وتختلف طبيعة المهمة العلمية تجاه السنة النبوية باختلاف ميل كل منهم. فمن يميل إلى فقه السنة فعليه أن يتحصل على قواعد تفسير النصوص، ومن يميل إلى نقد الأحاديث فعليه أن يتدرب على التصحيح والتعليل من خلال التخريج العلمي مراعيا فيه أسلوب النقاد.

وبالتعاون مع أصحاب التخصصات العلمية المختلفة يتم إسقاط السنة على الواقع الذي نعيشه، والدفاع عنها دفاعا يقتضيه طبيعة التشكيك في مكانة السنة ونزاهتها.

ومن الجدير بالذكر أن العمل بالحديث لا بد أن يمر على مراحل ثلاثة وهي:

المرحلة الأولى: مرحلة التأكد من مدى صحةالحديث.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير