تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[27 - 02 - 03, 04:46 ص]ـ

س63 / قال الحاكم في علوم الحديث (ص 82) ( ... فاجتمع جماعة من مشايخ الاسلام، واجتمع عبد الله بن أحمد بن حنبل ومحمد بن إبراهيم بن مربع وأبو الأذان وكليجة وغيرهم فتشاورا من ينتقي لهم علىالشيوخ فاجتمعوا على أبي عبد الرحمن النسائي وكتبوا كلهم بانتخابه).

o ما معنى يكتبون بانتخابه؟

o لماذا لا يأخذون كل حديث ذلك الراوي؟

o هل كان الأئمة أحمد وابن المديني ومن قبلهم ينتخبون أحاديث كل الرواة، أم كانوا ينتخبون أحاديث بعض الرواة دون الرواة الآخرين؟

ج/ الانتخاب على الشيوخ عمل علمي قام به الحفاظ المتقنون، ويقال عنه الانتقاء أيضا، ولهم فيه أغراض مختلفة، منها منهجي، ومنها نقدي.

أما المنهجي فمن عادة المحدثين عموما أن يحرصوا على أوقاتهم، لا سيما إذا كانوا مسافرين، ويركزون على الأحاديث التي تعد فوائد بالنسبة لهم، أو الأحاديث التي لم يسمعوها بعلو، ويعد هذا من أهم جوانب التنظيم التي يتم بها استثمار الأوقات في سماع ما يعنيهم من المرويات، وقد يكون الانتخاب ضروريا إذا كان الشيخ عسيرا في الرواية.

لذلك يقوم المحدثون قبل لقاء الشيوخ بانتخاب ما يريدون سماعه من مسموعاتهم، ويتبادلون المعلومات حول ما يحتاج إليه كل منهم من أحاديث الشيوخ من خلال المذاكرة فيما بينهم، أو من خلال زملائهم في الرحلة والسماع.

قد ينتخب بعض المحدثين لشيوخهم قبل انعقاد مجلس الإملاء، ما يملون لهم، حتى يرتكزوا في الإملاء على ما يعني طلابهم من المرويات لعلوها أو لغرابتها وتفردهم بها أو لجودة أسانيدها أو لشهرة رواتها أو غير ذلك من خصائص الأسانيد والرواية، وقصتهم في ذلك مبثوثة في كتب التراجم، وغاية ما في ذلك كسب الوقت وعدم انشغالهم بما لا يعنيهم من المرويات والمسموعات لكونهم قد سمعوها بعلو من مصادر أخرى، أو سمعوها منه قديما، وهذا هو المعنى الإجمالي لما ورد في السؤال.

وهناك من المحدثين القدامى من يسمع دون انتخاب ويقوم بنسخ كل ما تحتوي أصول الشيخ ويقال عن ذلك: كتابة الحديث على وجهه، وقد يتفاوت اهتمامهم بهذا الأسلوب الاستيعابي باختلاف الشيوخ والأوقات والظروف.

وعلى كل حال فإن السماع في الحالين: الانتخاب والاستيعاب، يكون له سلبيات وإيجابيات، ذكرها الأئمة في أكثر من مناسبة. ومن هنا جاء في ذم كتابة الحديث على وجهه، قولهم: فلان حاطب ليل. يعني بذلك يكتب الحديث دون انتخاب. كما جاء أيضا الثناء مثل قولهم: إذا كتبت فقمش وإذا حدثت ففتش. يعني عليك أن تكتب كل ما لدى الشيوخ من الأحاديث دون انتخاب، وإذا أردت أن تحدث فعليك التفتيش لما تحدث به.

وشرح ذلك مستوفى في كتب المصطلحات، لا سيما في كتاب الخطيب (الجامع لأخلاق الراوي).

ومثل هذه الجوانب التاريخية المتصلة بتلقي الأحاديث وكتابتها لا زالت مجهولة لدى فئة كبيرة من الباحثين، وهي بحاجة إلى دراسة علمية متخصصة لبلورتها، لما في ذلك من فوائد جمة. ومشكلتنا تكمن في جهلنا تاريخ أئمتنا السابقين في جانب عنايتهم بتلقي الحديث وكتابته وضبطه التي كانت محل تطور عبر العصور الماضية حسب مستجداتها وأعرافها العلمية. وكانت عنايتهم هذه حرصا منهم - سواء كانوا متأخرين أو متقدمين – على أن يتم نقل الحديث من شخص إلى شخص أو يتم نقل الكتاب من شخص إلى شخص، وهو بعيد عن جميع احتمال التصحيف والتحريف والانتحال. وقد بذلوا جميعا ما في وسعهم في سبيل حماية السنة حسب مقتضيات عصورهم، ورحمهم الله تعالى، وجزاهم عنا أحسن جزاء، ولو لم ينهضوا – سواء في عصور الرواية أو في عصور ما بعد الرواية – بمقتضيات عصورهم لوقعت في السنة تحريفات وتصحيفات وأوهام وافتراءات، وقد شرحنا ذلك في كتاب الموازنة.

وأما الانتخاب لهدف نقدي فكتمييز الصحيح من الضعيف الغريب، قد يكون ذلك بوضع علامات خاصة على الضعيف الغريب ضمن المرويات التي تضمنتها نسخ المحدثين وأصولهم، كما ورد في حديث قتيبة عن الليث في جمع التقديم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير