فهذا عبد الرزاق تلميذه الملازم قد سمعها منه مرسلة. أما ابن المبارك فقد سمعها مسندة. والمثال فيه ما فيه من جهة أن كلاهما من أوثق أصحاب معمر، لكن يبقى المثال صالحاً.
فكيف نعرف إن كان إرسال غير الملازم وهماً أم لا؟ هذا طبعاً إن لم يكن عندنا نص صريح من المتقدمين في المسألة.
ج/ قولك سليم للغاية، نعم إذا تبين من خلال القرائن أن الراوي قد حدث مرة بوجه، وأخرى بوجه آخر - كما ورد في سؤالك - , وأن كلا من أصحابه حدث عنه ما سمع، فإنه لا مجال للترجيح بينهم، وأنه لا اعتبار لكون هذا الراوي ملازما لشيخه، أو ذاك أوثق الناس، كما أنه لا يقال: تفرد فلان بوصله – مثلا -.
ومن المعلوم أنه يرجع في التصحيح والتضعيف والترجيح إلى القرائن الظاهرة التي يشترك في معرفتها الناقد وغيره، كأن يكون الرواي ملازما لشيخه أو هو أوثق الناس فيه، أو هو صاحب كتاب أو غير ذلك مما يعرف من خلال قراءة التراجم، لكن فقط في حال ما إذا أحس الناقد بفهمه ومعرفته وحفظه بانعدام قرينة قوية تدل خلاف ذلك، وهذا بالنسبة إلينا صعب للغاية، كما أقر بذلك كبار الأئمة المتأخرين.
وكثيرا ما تكون أصول الشيوخ مرجعا لحل الاختلاف، ويفهم ذلك من تتبع التاريخ الكبير وغيره من كتب النقاد بفهم ومعرفة. وأين هذه الأصول اليوم؟ إلا ما ورد عن النقاد من النصوص.
غير أن الباحث المجرب والممارس بأسلوب المحدثين والمطلع على طبيعة الروايات قد يوفق بفضل الله لفهم ذلك استقلالا، ولا شك أن معرفة القرائن تتوقف على الممارسة الطويلة مع أصناف كثيرة من الروايات وطبيعة الرواة في سؤالهم للشيوخ ومراجعتهم فيما حدثوه وتحققهم في ذلك، وأحوالهم العامة ومدى صلتهم بشيوخهم وطريقة تلقيهم للأحاديث شخصا شخصا، كما قال بعض الأئمة: الحجة عندنا الحفظ والفهم والمعرفة، وقال بعضهم: إنما هو علم أوتينا.
وفي ضوء هذا الواقع إذا رجح الناقد خلاف ما رواه الملازم، أو خلاف ما رواه الأوثق، أو صحح الحديث خلاف ما يقتضيه ظاهر السند أو ضعفه خلاف ما يقتيضه ظاهر السند فما علينا إلا التسليم والقبول ولا ينبغي لنا اتهامه بنقض القاعدة، لأن أقصى ما لدينا بعد البحث والتتبع هو أننا لم نقف على ما وقف عليه الناقد من القرائن. وهذا لا يعني بالضرورة أننا نجعله معصوما من الخطأ والوهم، وإنما فقط أن نقدم علمهم على علمنا إذا كان لدينا علم بالحديث. (والله أعلم).
فضلية الشيخ /حمزة المليباري حفظه الله السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
س71/ هل الاسناد (المعنعن) مقبول مطلقاً أم هناك خلاف في قبوله.
وهل قول شعبة - رحمة الله - فلان عن فلان ليس بحديث. صحيح وإذا كان كلامه صحيحاً هل خالفه أحد من الائمة في ذلك القول. وجزاكم الله خيراً.
ج/ جزاك الله خيرا ووفقنا وإياكم لما فيه الخير في الدارين.
الإسناد المعنعن متصل إلا إذا لم يعرف من خلال القرائن، أو من نصوص النقاد أنه منقطع أو أنه لم يلتق به أصلا، أو التقى به لكنه لم يسمع منه شيئا، أو سمع منه لكنه لم يسمع منه هذا الحديث، وأما أن نقول باتصاله إذا لم يكن مدلسا، وانقطاعه إذا كان مدلسا ردا على النقاد فغير سليم منهجيا ولا سلوكيا.
وأنت تعرف جيدا أن ظهور مصطلح التدليس وتحديد مراتب المدلسين دليل ناصع على أن النقاد لم يكتفوا بظاهر أحوال الراوي، ولا بمعاصرته مع من فوقه في سلسلة السند، بل يبحثون أيضا إذا توفرت لديهم آليات البحث والتتبع عن مدى صحة سماع الراوي لذلك الحديث الذي رواه ممن فوقه، بل أكثر من ذلك أنهم يبحثون أيضا ويحاولون معرفة أن الراوي قد سمع ذلك الحديث بحيث يستطيع ضبطه كتابة أو حفظا، أو أنه وقع في سماعه خلل ما.
ولو أنهم قد اكتفوا بظاهر السند ومعاصرة الراوي مع من فوقه عموما في حكمهم على الإسناد بالاتصال ما قرأنا في كتبهم أصلا مصطلح التدليس ولا علمنا المدلسين ولا مراتبهم.
وأما إذا لم تتوفر لدى الناقد آليات البحث والتتبع فليس له إلا اعتماد الظاهر، وعليه فعنعنة الراوي تحمل على الانقطاع إذا كان مدلسا، وإلا فتحمل على الاتصال.
وأما قول شعبة (فلان عن فلان ليس بحديث) فقد رواه الإمام ابن عبد البر في التمهيد 1/ 13، غير أنه رواه عن وكيع أن شعبة قد رجع بعد ذلك إلى قول سفيان إنه حديث يعني حديثا متصلا.
¥