فالخلاصة أن الأحكام ليست تابعة لأحوال الرواة، إلا في بعض الأحوال التي لم يطلع الناقد فيها على ملابسات الرواية وقرائنها، فحينئذ يميل فيها الناقد إلى أحوال الرواة في قبول الحديث أو رده أو تردده.
وأما عند كثير من الباحثين المعاصرين فصار الأصل هو أن الأحكام تابعة لأحوال الرواة ويردون بذلك أحكام النقاد.
ويحسن بنا أن نقرأ في هذه المناسبة قول الحافظ السخاوي وهذا نصه:
’’ ..... ربما تطرق إلى التصحيح متمسكا بذلك من لا يحسن، فالأحسن سد هذا الباب، وإن أشعر تعليل ابن الصلاح ظهور الحكم بصحة المتن من إطلاق الإمام المعتمد صحة الإسناد بجواز الحكم قبل التفتيش؛ حيث قال: ’’لأن عدم العلة والقادح هو الأصل الظاهر ‘‘ فتصريحه بالاشتراط يدفعه ... ‘‘.
يعني أن ما أورده الإمام ابن الصلاح في تعريف الصحيح من سلامة الحديث من شذوذ وعلة شرطا من شروط الصحيح كاف في رد ذلك الذي يفهم مما نقله السخاوي عنه أن عدم العلة هو الأصل الظاهر.
أما لو كانت الأحكام تابعة لأحوال الرواة - كما يظن اليوم - لما قال النقاد: إنما هو علم أوتينا، أو هذا العلم إلهام، أو هذا العلم مثل علم الصيرفي أو الحجة عندنا الحفظ والفهم والمعرفة.
وفي ضوء هذا الواقع فإن تعريف المصطلحات يحتاج إلى هذا التفصيل المذكور، وإلا سيكون اعتقادنا أن الحكم مرتبط بأحوال الرواة، وبالتالي تكون المفاهيم والتصورات تجاه علوم الحديث مشوهة ومعوجة، والذي نرى في أبحاث كثير من الباحثين اليوم من الاعتراض على النقاد وعدم فهم مصطلحاتهم إنما هو من نتائج ذلك، وكلما يكون الباحث متمكنا تقل منه مثل هذه النتائج.
ثانيا الجواب عن سؤالك: إن ضابط الحسن عند النقاد ليس حال الراوي، قد يكون ثقة وقد لا يكون، وإنما الضابط عندهم شعورهم بعدم وجود الخطأ ولا بأنه صواب في إضافته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وبقدر وجود العواضد وعدمها يقترب الحديث من الصحة أو من الضعف. وأما بالنسبة إلينا فشعورنا فليس مؤسسا على الفهم والتجربة.
وأما أن يكون الشاذ حسنا فلا، إلا إذا فسرنا الشاذ بمطلق الغرابة، وحينئذ قد يكون صحيحا أو حسنا أو ضعيفا. (والله أعلم)
س75/ هل المنكر عند المتقدمين هو نوع الشاذ المردود أم انه حكم مستقل لوحده.
ج/ عادة لا يستخدم النقاد في التعليل مصطلح الشاذ وكثيرا ما يستخدمون المنكر فيما يصدق عليه الشاذ المردود، وقد جمع بعضهم بين هذه المصطلحات مثل قول بعضهم: (الحديث الشاذ المنكر الذي لا يعرف).
وليس المنكر في لغة المحدثين النقاد حكما مستقلا لوحده.
س76/ عند مطالعتي لتخريج حديث: "العقيقة تذبح لسبع أو أربعة عشر أو إحدى وعشرين" في إرواء الغليل وجدت أن الشيخ الألباني أعل بعض روايات الحديث بالانقطاع بين عطاء وأم كرز. وبعد بحث متواضع وجدت أن علي بن المديني قال: لم يسمع عطاء من أم كرز شيئا. فهل تعلمون أحدا من المتقدمين وافق ابن المديني على هذا؟
ج/ نقله ابن أبي حاتم في مراسيله عن علي بن المديني، كما نقل عنه المزي أيضا في التهذيب. ويدل على الانقطاع ما وقع في هذا الحديث من الاختلاف على عطاء، وفي معظم الروايات ذكرت الواسطة بينه وبين أم كرز، مع الاختلاف في تحديد هذه الواسطة، وهذا دليل واضح على انقطاع رواية عطاء عن أم كرز. وقد رجح الحافظ ابن حجر أن الراجح هو عن عطاء عن حبيبة بنت ميسرة عن أم كرز. انظر الإصابة للحافظ ابن حجر ترجمة أم كرز.
شيخنا الفاضل نفع الله بعلومه، امين.
س77/ ما رأيكم أدام الله عزكم في معنى الحديث (الحسن) واختلاف المحدثين فيه وما هو الراجح في تقييد مصطلحه، وهل يفرق في اطلاقه في العصر الحالي عند نقله عن أحد الأئمه أم يلتزم فيه جادة واحده لا تخالف، بحيث نأخذ تعريف الخطابي او الترمذي مثلا ونعممه، أم نقصر ما قصداه في تعريف الحسن على ما أطلقاه هما عليه دون من سواهما؟
ج/ لم يختلف المحدثون في تقسيم الحديث تقسيما ثلاثيا، وهذا التقسيم الثلاثي كما حكى الخطابي عن أهل الحديث إنما بالنسبة إلى شعورهم ومعرفتهم، وإلا فالخبر عموما في الواقع إما الصواب وإما الخطأ.
¥