لكن جاءت هذه الكلمة باتفاق الرواة عن ابن المبارك عن سفيان عن جعفر بن محمد، واختلف الرواة على أبي بكر بن أبي شيبة عن وكيع عن سفيان عن جعفر في ذكرها. كما اختلفوا في ذكرها في حديث ابن مسعود موقوفا عليه.
وقبل أن أتأكد على مدى احتمال رواية ابن المبارك بالمعنى من خلال نصوص النقاد لا أستطيع الجزم بأنها صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم. والله أعلم.
س114/ ما صحة من يقول إن البخاري قد استوعب كل أحاديث الأحكام التي على شرطه في الصحيح؟ أحاديث غير الأحكام لم يستوعبها يقيناً (كصحيفة وهب بن منبه). لكن وجدت ابن عبد البر يرد الحديث بأن البخاري ومسلم لم يخرجا في ذلك الباب أي حديث فيه. وقد أطال في هذه المسألة الزيلعي في نصب الراية في بحث البسملة في الصلاة (ولعله ينقل عن ابن التركماني). فهل كان منهج البخاري ومسلم استيعاب كل ما هو على شرطهما؟ أم أهم أحاديث الباب؟ أم أنهما لم يستوعبا ذلك أصلاً؟ مثلاً حديث (لا نكاح إلا بولي) صححه البخاري خارج الصحيح. وصححه الأئمة الكبار من السلف كذلك. وألزم بعضهم (أظنه الإسماعيلي) البخاري بإخراجه لأنه على شرطه. لكن البخاري لم يخرجه بل لم يعلقه أصلاً (على فرض أنه دون شرطه). فما هو السبب يا ترى؟
ج/ لا زالت هذه المسألة معضلة عندي. نعم صرح الإمام البخاري بأنه لم يستوعب الأحاديث الصحيحة، لكن الإجابة به في جميع المناسبات تحتاج إلى شيء من الحذر. وكل من يشتغل بالحديث يرى في كلام السابقين حول هذه المسألة شيئا من الاضطراب. والله أعلم.
س115/ صنف الإمام أحمد مسنده حتى نعرض الحديث عليه فإذا وجدناه في مسنده علمنا أن له أصلاً. لكني لم أجد أحدا من العلماء يضعف الحديث بمجرد عدم إخراج أحمد له. فكيف نوجه كلام الإمام أحمد؟ وهل خلو المسند والسنن والصحيحين من حديث يجعلنا نجزم بضعفه، بمعنى لو لم يرد الحديث إلا في المعجم الأوسط مثلاً فهل نحكم عليه بالضعف دوماً؟
ح/ أستطيع أن أجزم بأن قول الإمام أحمد ليس على ظاهره الذي يتبادر إليه ذهننا. ولذلك لم نجد أحدا من العلماء يضعف الحديث بمجرد عدم وروده في المسند.
وإذا حملنا على ظاهره فيلزم منه القول إن أحمد حفظ جميع السنة، وأودعها جميعا في مسنده، وهذا غير مسلم لدى الجميع، ولم يتم ذلك لأحد، كما لم يدع أحد ذلك من قبل، اللهم إلا ما ورد عن بعض الأئمة في سبيل مدح بعضهم والثناء عليهم مثل قوله: الحديث الذي لم يعرفه البخاري ليس بحديث. هذا مدح وليس حكم.
وهذا قول الإمام أحمد كما نقله الذهبي:
(هذا الكتاب – يعني مسنده - جمعته وانتقيته من أكثر من سبع مئة ألف وخمسين ألفا، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فارجعوا إليه فإن وجدتموه فيه وإلا فليس بحجة).
ثم عقبه الذهبي بقوله:
’’قلت: في الصحيحين أحاديث قليلة ليست في المسند، لكن قد يقال: لا تَرِد على قوله؛ فان المسلمين ما اختلفوا فيها، ثم ما يلزم من هذا القول: أن ما وجد فيه أن يكون حجة، ففيه جملة من الأحاديث الضعيفة مما يسوغ نقلها، ولا يجب الاحتجاج بها. وفيه أحاديث معدودة شبه موضوعة ولكنها قطرة في بحر .... ) اهـ.
وتبين بذلك أن قول الإمام أحمد ليس على ظاهره، بل له محمل صحيح، لكن تتوقف معرفته على بحث ومقارنة.
س116/ بعض الناس يقسّم منهج المتقدمين إلى مناهج في علل الحديث. فيقول إن هناك منهج البصريين وهو يشابه منهج أهل الحجاز. ويتزعمه ابن المديني ويعقوب بن شيبة والبخاري وغيرهم. ويقابله منهج أهل الكوفة الذي يتزعمه ابن معين وغيره من أئمة الكوفة. وهناك من جمع بين المنهجين مثل أحمد والدارقطني.
ما هي مصداقية مثل هذا الكلام؟!
ج/ لا أجد لهذا التقسيم أي أساس في الواقع، ولا أشار إلى ذلك أحد ممن تكلم في علوم الحديث من القدامى أو المحدَثين. يبدو أن صاحب هذا التقسيم اخترعه قياسا على اختلاف المدارس الفقهية. أو على اختلاف علماء اللغة والنحو باختلاف بلدانهم.
والواقع أن مبنى النقد وأساسه هو المعرفة الحديثية عن ملابسات رواية الأحاديث، ومن توفرت لديه هذه المعرفة الحديثية حول حديث ما علم صحته وخطأه، سواء كان كوفيا أو بصريا أو حجازيا.
¥