تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

نأمَنُ حينئذٍ عليه غَلَبَةَ الهوى».

وفي كل الأحوال فإن من الأئمة من كان لا يروي عن المبتدع مطلقاً كالتابعين في طبقة ابن سيرين فما فوقه. وروى ابن أبي حاتم من طريق أبي إسحاق الفزاري عن زائدة عن هشام عن الحسن قال: «لا تسمعوا من أهل الأهواء». فمن تبنى هذا الرأي فله سلف.

الآثار عن الأئمة المتقدمين

روى مسلم في صحيحه (1\ 14) عن محمد بن سيرين قال: «إن هذا العِلمُ دينٌ، فانظروا عمّن تأخذونَ دينكم». وقد ذكر الخطيب في "الكفاية في علم الرواية" (1\ 120) عدة آثار عن السلف في ذلك في باب "ما جاء في الأخذ عن أهل البدع والأهواء والاحتجاج بروايتهم". وإليك خلاصتها:

قال أنس بن سيرين في مرضه: «اتقوا الله يا معشر الشباب، وانظروا عمن تأخذون هذه الأحاديث، فإنها من دينكم». وقال علي بن حرب الموصلي: «من قدر أن لا يكتب الحديث إلا عن صاحب سُنَّة، فإنهم (أي أهل البدع) يكذبون: كلّ صاحبِ هوىً يكذبُ ولا يُبالي». وقيل ليونس بن أبى إسحاق: لِمَ لَمْ تحمِل عن ثوير بن أبي فاختة؟ قال: «كان رافضياً». وقال الحُمَيدي: «كان بِشْرُ بن السرّى جَهميّاً لا يَحِلُّ أن يُكتَبَ عنه». وقيل لابن المبارك: سمعت من عَمْرِو بن عُبَيْد (رأس المعتزلة الأوائل)؟ فقال بيده هكذا –أي كِثرة–. فقيل: فلم لا تسمّيه (أي تروي عنه) وأنت تسمِّي غيره من القدرية؟ قال: «لأن هذا كان رأساً» (أي داعية). وقيل له: تركتَ عَمْرَو بن عبيد، وتُحدِّث عن هشام الدّسْتوائى وسعيد وفلان وهم كانوا في أعداده (يقصد أنهم قدرية لا أنهم معتزلة). قال: «إن عَمْراً كان يدعو».

وقال علي بن المديني: قلتُ ليَحيى بن سعيد القطان: إن عبد الرحمن بن مهدي قال: «أنا أتركُ من أهل الحديث كلّ من كان رأساً في البِدعة». فضَحِكَ يحيى بن سعيد فقال: «كيفَ يَصنعُ بقتادة؟ كيف يَصنعُ بعمز بن ذر الهمذاني؟ كيف يصنع بابن أبي رواد (يقصد عبد العزيز وكان مرجئاً غير داعية)؟». وعَدَّ يحيى قوماً أمسكتُ عن ذِكرِهم. ثم قال يحيى: «إن ترَك عبد الرحمن هذا الضّرب، ترك كثيراً». ويبدو أن يحيى القطان قد غَفِل عن قول ابن مهدي «كان رأساً» أي داعية. فإن الأمثلة التي سردها القطان كانت لرواة ثقات غير دعاة لبدعتهم، فلا يعارض قوله قول ابن مهدي. بل إن ابن مهدي نفسه روى عن محمد بن راشد مع علمه بأنه قدري. فلا تعارض بين الاثنين.

التفريق بين البدعة الخفيفة والغليظة

ويبدو أن المتقدمون قد فرقوا أيضاً بين البدعة الخفيفة والبدعة الغليظة. فالبدعة الخفيفة (كالإرجاء والخروج) هناك نزاع في قبول رواية أصحابها من الدعاة. والبدعة المتوسطة (النصب والتشيع والقدر) يُقبل من غير الداعية وتُرَدّ رواية الداعية. والبدعة الغليظة (الرفض والتجهّم والاعتزال) تُرَدُّ رواية أصحابها.

المرجئة

فمن البدع الخفيفة الإرجاء، وغالباً يقصد به إرجاء الفقهاء من جنس الذي أتى به حماد وتلميذه أبو حنيفة من التفريق اللفظي –لا العملي– بين الإيمان والإسلام، لا كما مرجئة عصرنا الذي غالوا حتى سبقوا الجهمية. قال أحمد في رواية أبي داود: «احتملوا من المرجئة الحديث. ويُكتَبُ عن القَدَري إذا لم يكن داعية». وقال المروزي: «كان أبو عبد الله (أحمد بن حنبل) يحدِّثُ عن المرجئ إذا لم يكن داعياً. ولم نقِف على نصٍّ في الجّهمي أنه يُروى عنه إذا لم يكن داعياً. بل كلامه فيه عامٌّ أنه لا يروى عنه». قال ابن رجب في "شرح علل الترمذي": «فيخرجُ من هذا أن البدع الغليظة يُردُ بها الرواية مطلقاً، والمتوسطة كالقدر إنما يرد رواية الداعي إليها، والخفيفة كالإرجاء هل يقبل معها الراوية مطلقاً، أو يرد عن الداعية؟ على روايتين».

الخوارج

ومن البدع الخفيفة (أي من حيث قلة تأثيرها على صدق الراوي) بدعة الخوارج. قال الآجري: «سمعت أبا داود سليمان بن الأشعث يقول: "ليس في أصحاب الأهواء أصحُّ حديثاً من الخوارج". ثم ذَكَرَ عمران بن حطان وأبا حسان الأعرج». وقد احتجّ البخاري بعمران بن حطان في حديث واحدٍ بصحيحه واستشهد به في آخر.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير