تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وليس هذا معناه اتفاق المحدثين على الرواية عن دعاة الخوارج، فقد قال الدارقطني في "التتبع" (#117): «وأخرج البخاري حديث عمران بن حطان عن ابن عمر عن عمر في لبس الحرير. وعمران متروكٌ لسوء اعتقاده وخبث رأيه. والحديث ثابت من وجوهٍ عن عمر عن عبد الله مولى أسماء وغيره عن ابن عمر عن عمر».

وقال البدرُ العيني في "عمدة القاري" (22\ 13): «عمران بن حطان كان رئيس الخوارج وشاعرَهم. وهو الذي مَدَح ابنَ مُلْجَم قاتِلَ علي بن أبي طالب ? بالأبيات المشهورة. فإن قلت: كان تركُهُ من الواجبات. وكيف يُقبَلُ قولُ من مَدَح قاتِلَ علي ?؟ قلتُ: قال بعضهم (يقصد ابن حجر): "إنما أخرج له البخاري على قاعدته، في تخريج أحاديث المبتدع إذا كان صادق اللهجة متديّناً". قلت (القائل العيني): ليس للبخاري حجة في تخريج حديثه. ومسلمٌ لم يخرج حديث. ومن أين كان له صدقُ اللهجة، وقد أفحش في الكذب في مدحه ابنَ ملجم اللعين؟ والمتدين كيف يفرح بقتل مثل علي بن أبي طالب ? حتى يَمدَحَ قاتلَه؟!».

وثبت كذلك عن بعض الخوارج وضع الحديث. وقد روى الخطيب في "الجامع لأخلاق الراوي" (1\ 137): عن عبد الله بن يزيد المقرئ ثنا ابن لهيعة قال: «سمعت شيخاً من الخوارج تاب ورجع، وهو يقول: "إن هذه الأحاديث دينٌ، فانظروا عمّن تأخذون دينكم. فإنّا كُنّا إذا هَوَينا أمراً، صَيَّرناهُ حديثاً"». وهذه القصة صحيحة قال عنها ابن حجر في لسان الميزان (1\ 10): «حَدَّثَ بها عبد الرحمن بن مهدي الإمام عن بن لهيعة. فهي من قديم حديثه الصحيح». على أن هذا قليلٌ في الخوارج.

القدرية

أما البدع المتوسطة كالقدر فيُروى عن غير الداعية (فيما لا ينصر بدعته) بلا خلاف. وأما الداعية فلا.

فقد روى مالك –على تشدده مع أهل البدع– عن داود بن الحُصَينِ، وثورِ بنِ زيد، وهما قدريّان غير داعِيان. قال ابن حبان في "الثقات" (6\ 284) عن داود بن الحصين: «كل من تَرَكَ حديثه –على الإطلاق– وَهِمَ، لأنه لم يكن داعية إلى مذهبه. والدعاة يجب مجانبة رواياتهم على الأحوال. فأما من انتحل بدعة، ولم يدع إليها، و كان متقِناً، كان جائز الشهادة محتجّاً بروايته».

وقد يتعارض فعل مالك مع ما قاله ابن وهب: سمعت مالك بن أنس يقول: «لا يُصَلَّى خلف القدرية، ولا يُحمل عنهم الحديث». لذلك نحمل قوله الثاني على أنه يقصد القدرية الغلاة (كالمعتزلة وكغيلان وأمثاله ممن قاربوا الكفر أو وصلوا إليه) أو أنه يقصد القدرية الدعاة لمذهبهم، فهؤلاء لا يُحمل عنهم الحديث باتفاق العلماء. وبعض القدرية كان معروفاً بالصدق كالدستوائي، بينما بعضهم كان يضع الحديث ويحتسب في ذلك الأجر! قال زهير بن معاوية كما في لسان الميزان (1\ 11): «حدّثَنَا محرز أبو رجاء –وكان يرى القدر فتاب منه– فقال: "لا ترووا عن أحدٍ من أهل القَدَرِ شيئاً. فو الله لقد كُنَّا نضعُ الأحاديث نُدخِلُ بها الناس في القَدَرِ نَحتَسِبُ بها"».

وقال عباس الدوري في سؤالاته (4\ 139) ليحيى بن معين: «هكذا تقول في كل داعية: "لا يُكتَبُ حديثه إن كان قدريّاً أو رافضيّاً"، ذلك من الأهواء ممّن هو داعية؟». قال (ابن معين): «لا نكتب عنهم إلا أن يكونوا ممّن يُظنّ به ذلك (أي يُظن به الابتداع) ولا يدعو إليه، كهشام الدستوائي وغيره ممّن يرى القدَرَ ولا يدعو إليه».

فابن معين يرفض الرواية عن القدري الداعية وعن الرافضي بكل أحاوله. وإنما يجيز الرواية عمّن اتُّهِمَ بالقدر ولم يدعو إليه. ويؤيّد هذا أيضاً ما قاله الحافظ محمد بن البرقي: قلت ليحيى بن معين: «أرأيت من يُرمى بالقدر. يكتب حديثه؟». قال: «نعم. قد كان قتادة وهشام الدستوائي وسعيد بن أبي عروبة وعبد الوارث –وذكر جماعة– يقولون بالقَدَرِ، وهُم ثِقاتٌ يُكتبُ حديثهم، ما لم يدعوا إلى شيء».

وقال إبراهيم الحربي: قيل لأحمد بن حنبل: «يا أبا عبد الله، سمِعتَ من أبي قطن القَدَري؟». قال: «لم أرَهُ داعية. ولو كان داعية لم أسمع منه». وقال محمد بن عبد العزيز الأبيوردي: سألتُ أحمد بن حنبل: «أيُكتب عن المرجئ والقدري؟». قال: «نعم، يُكتَبُ عنه إذ لم يكن داعياً». وقال أبو داود سليمان بن الأشعث السجزي (وثّقه ابن أبي حاتم): قلتُ لأحمد بن حنبل: «يُكتَبُ عن القدري؟». قال: «إذا لم يكن داعياً».

النصب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير