(ومما غلط فيه بعض أصحاب الحديث أنه قال: (فلان يحتمل في الرقائق ولا يحتمل في الأحكام).
قال أبو محمد: وهذا باطل، لأنه تقسيم فاسد لا برهان عليه، بل البرهان يبطله، وذلك أنه لا يخلو كل أحد في الأرض من أن يكون فاسقاً أو غير فاسق، فإن كان غير فاسق كان عدلاً، ولا سبيل إلى مرتبة ثالثة.
فالعدل ينقسم إلى قسمين: فقيه وغير فقيه، فالفقيه العدل مقبول في كل شيء، والفاسق لا يحتمل في شيء.
والعدل غير الحافظ لا تقبل نذارته خاصة في شيء من الأشياء، لأن شرط القبول الذي نص الله تعالى عليه ليس موجوداً فيه، ومن كان عدلاً في بعض نقله فهو عدل في سائره، ومن المحال أن يجوز قبول بعض خبره ولا يجوز قبول سائره إلا بنص من الله تعالى أو إجماع في التفريق بين ذلك، وإلا فهو تحكم بلا برهان، وقول بلا علم، وذلك لا يحل).
قلت: وقوله (فالعدل ينقسم إلى قسمين: فقيه وغير فقيه .. ) عنى بقوله (فقيه) أي حافظ، وقد وضح مراده بقوله (فقيه) في موضع آخر، حيث قال كما في (1/ 137): (فقيهاً فيما روى أي حافظاً، لأن النص الوارد في قبول نذارة النافر للتفقه إنما هو بشرط أن يتفقه في العلم، ومن لم يحفظ ما روى فلم يتفقه، وإذا لم يتفقه فليس ممن أمرنا بقبول نذارته).
فابن حزم من خلال كلامه السابق يقرر أن الرواة على قسمين فقط:
القسم الأول: هم المقبول حديثهم في كل شيء، وهم العدول الفقهاء (أي الحافظون لحديثهم).
القسم الثاني: هم المردود حديثهم، وهم غير العدول، والعدول غير الفقهاء (أي غير الحافظين لحديثهم).
ولم يبين ابن حزم _ ولا في أي موضع من كتبه _ أن المقبول حديثهم على درجات أو مراتب، لأنه يرى أن الراوي مادام عدلاً فقيهاً (أي ثقة) فإنه يجب قبول حديثه كله، إلا إذا تبين خطأ الثقة عنده بأدلة لا علاقة بها بتفاوت مراتب الثقات!
فلا حاجة حينئذ إلى تقسيم الثقات أو بيان تفاوت الأثبات!
وإذا أردت أن تعرف ما هي الأدلة التي بها يخطئ ابن حزم الثقة، فها أنا أسوقها لك من كلامه، قال في الإحكام (1/ 128):
(ولا يصح الخطأ في خبر الثقة إلا بأحد ثلاثة أوجه:
إما تثبت الراوي واعترافه بأنه أخطأ فيه!
وإما شهادة عدل على أنه سمع الخبر مع راويه فوهم فيه فلان!
وإما بأن توجب المشاهدة بأنه أخطأ!!).
قلت: وإذا عرفت أدلة ابن حزم التي بها يخطئ الثقة = عرفت حينئذ أنه لا وجود لعلم العلل عنده!!!
يتبع
ـ[ابن معين]ــــــــ[06 - 03 - 03, 12:26 م]ـ
وقد أشار إلى المسألة السابقة (تفاوت العدالة والضبط بين الرواة) الشيخ طاهر الجزائري في كتابه المفيد توجيه النظر (1/ 100_103)، فقال:
(قد ظن بعض الناس أن العدالة على مذهب الجمهور لا تقبل الزيادة والنقصان، فهي كالإيمان عند من يقول بعدم قبوله ذلك، والصحيح أن العدالة كالضبط تقبل الزيادة والنقصان، والقوة والضعف، وقد أشار إلى ذلك علماء الأصول في باب الترجيح في الأخبار ..
إلى أن قال: وقد زعم بعضهم عدم تفاوت الضبط أيضاً، ورد عليه بعضهم بقوله: لا شك في تحقق تفاوت مراتب العدالة والضبط في العدول والضابطين من السلف والخلف وقد وضح ذلك حتى صار كالبديهي!.
وهذه المسألة لها نظائر لا تحصى، قد غلط فيها كثير ممن له موقع عظيم في النفوس، فإنهم يذهلون عن بعض الأقسام، فتراهم يقولون: الراوي إما عدل أو غير عدل، وكل منهما إما ضابط أو غير ضابط، غير ملاحظين أن العدالة والضبط مقولان بالتشكيك، فينبغي الانتباه لذلك، فإنه ينحل به كثير من المشكلات.
ثم قال: (استدراك: وبعد أن وصلت إلى هذا الموضع وقفت على عبارة للحافظ أبي محمد علي بن أحمد بن حزم الظاهري، خالف فيها الجمهور في ترجيح الأعدل على العدل، فأحببت إيرادها ملخصة.
ثم قال: قد علم من وقف على كثير من مؤلفاته أنه يجنح في أكثر المواضع إلى مخالفة الجمهور، وهو في أكثر ما خالفهم فيه أقرب إلى الخطأ منه إلى الصواب، وقد أطلق فكره في ميادين جمح به فيها أشد جماح، غير أنه يلوح من حاله أنه لم يكن يريد إلا الإصلاح .. الخ.
ـ[ابن معين]ــــــــ[06 - 03 - 03, 12:30 م]ـ
المسألة الثانية: رأيه في الراوي الضعيف.
¥