ولهذا لما جاء رجل من جلة أهل الرأي إلى أبي حاتم يسأله عن أحاديث فبين له بطلان بعضها وصحة بعضها الآخر، استغرب هذا الرجل من علم أبي حاتم، وأراد دليلاً على صحة قوله، فقال له أبوحاتم: (سل عما قلت من يحسن مثل ما أحسن، فإن اتفقنا علمت أنّا لم نجازف ولم نقله إلا بفهم).
وجاء رجل إلى أبي زرعة وقال له: ما الحجة في تعليلكم الحديث؟ قال: (الحجة أن تسألني عن حديث له علة، فأذكر علته، ثم تقصد محمد بن مسلم بن وارة فتسأله عنه، ولا تخبره بأنك قد سألتني عنه فيذكر علته، ثم تقصد أبا حاتم فيعلله، ثم تميز كلامنا على ذلك، فإن وجدت بيننا خلافاً في علته فاعلم أن كلاً منا تكلم على مراده، وإن وجدت الكلمة متفقة فاعلم حقيقة هذا العلم، قال: ففعل الرجل ذلك، فاتفقت كلمتهم عليه، فقال: اشهد أن هذا العلم الهام).
فلولا اتفاق منهجهم في الحكم على الأحاديث لما قال للسائل اسأل من يحسن مثل ما أحسن، أو كما قال أبي زرعة اسأل أئمة هذا العلم.
ومما يدلك على هذا الأمر أيضاً هو أن كبار الأئمة الذين صنفوا في علوم الحديث كالحاكم والخطيب البغدادي وغيرهما بينوا ما وقع من خلاف بين الأئمة في طرق التحمل وفي أصح الأسانيد وفي غيرها من المسائل التي لا ينبني عليها كبير عمل، فلو كان هناك خلاف حقيقي بينهم في علم العلل لكان هذا الأمر أولى ما تكلموا به.
ثم إني لا أعلم أحداً من أهل العلم السابقين قد صرح بهذا الأمر الذي ذكرته أو أشار إليه.
وقد عنيت بحمد الله بتتبع أحكام الإمام يحيى بن معين على الأحاديث مع مقارنتها بأحكام غيره من الأئمة، وقد وجدت اتفاق أئمة الحديث المتقدمين في غالب الأحاديث التي حكموا عليها.
فإثباتك لوجود تباين بين مناهج أئمة الحديث، منهج للخراسانيين وآخر للبصريين وثالث للكوفيين، يحتاج إلى استقراء واسع، وأدلة متضافرة، فإثبات أمر كهذا لا يكفي فيه مثال أو مثالين أو ثلاثة.
فإذا كان إثبات منهج لإمام واحد لا يكفي فيه مثال أو مثالين، فما بالك بإثبات تباين بين مناهج!!
أسأل الله أن يوفقك لكل خير.
محبك: ابن معين.
ـ[سابق1]ــــــــ[17 - 03 - 03, 08:09 م]ـ
جزيت خيرًا أخي ابن وهب ..
ولا شك أن المتقدمين لمنهجهم ملامح عامة، وأصول وقواعد هامة ..
ثم هناك خصائص، وفوارق بين المدارس، كما وقع في كل العلوم، فلم الاستغراب جاء هنا؟!
وأما قصة أبي حاتم، فأول ما فيها، أنّ أكثر الأصول والأحكام متفقة، ومن يذكر اختلافًا، فهو في مسائل قليلة، ومعلوم أن المثال المذكور، يثبت مطلق الاتفاق، لا الاتفاص المطلق ..
وعلى التنزل، فمن في القصة كلهم رازيون ..
والخصائص التي ذكرها الأخ ابن وهب، صحيحة، وإن كان الأمر، يحتاج إلى استقراء ومزيد نظر، لتجلية الخصائص، ومواطن الاختلاف ..
ـ[ابن وهب]ــــــــ[17 - 03 - 03, 08:58 م]ـ
جزاكم الله خيرا
في البداية
اود ان اقول
هي دعوة الى البحث والاستقراء
ثانيا
ان كان الاعتراض على التسمية
فلنقل مثلا
منهج ابن المديني = منهج البصريين
منهج يحيى بن معين = منهج الكوفيين
وهكذا
ولعل عبارة (منهج)
هي التي اثارت الاستغراب
فلنقل مثلا
طريقة ابن المديني في العلل= طريقة البصريين
طريقة يحيى بن معين في العلل= طريقة الكوفيين
او نقول مثلا
طريقة ابن المديني في الحكم على الاحاديث
طريقة يحيى بن معين في الحكم على الاحاديث
تماما كما نقول
منهج الامام البخاري في صحيحه
ومنهج الامام مسلم في صحيحه
أشكر الاخ الفاضل (اخو من طاع الله)
على توضيحه لما جاء في المقال
فقد اجاد واحسن
كما اود ان اشكر
بقية الاخوة الفضلاء
(محمد الامين) (ابن معين) (ظافر السعد)
فجزاكم الله خيرا
ـ[المنيف]ــــــــ[17 - 03 - 03, 09:09 م]ـ
بارك الله في الجميع.
وحفظك الله فضيلة الشيخ المحدث ابن وهب
ـ[السلفي]ــــــــ[18 - 03 - 03, 08:15 م]ـ
يمكن الاستفادة في هذه المسألة من
الرسائل الجامعية المقدمة ـ وقد طبع بعضها ـ مثل:
مدرسة أهل البصرة في الحديث
ومدرسة قرطبة
ومدارس أخرى
ويمكن أيضا النظر في الدراسات المفردة لبعض نقاد الحديث
من مثل: ابن المديني والبخاري والفلاس وابن معين .... الخ
وبعد النظر بإنعام في ذلك كله وغيره يظهر ألا تمايز بين تلك المناهج يوجب تقسيمها إلى مدارس.
ودمتم لمحبكم
¥