تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقد اعتد العلامة الكبير الشيخ ناصر الدين الألباني – حفظه الله ومتعنا بعلمه – بقول الحاكم، فساق هذا الحديث في صحيحته ()، وساق قول العلائي: "إسناده لا بأس به، لأن سعيد بن سلمان هذا هو النشيطي فيه لين يُحتمل، حدث عنه أبو زرعة وأبو حاتم الرازي وغيرهما". ورد عليه الشيخ العلامة وأثبت أن سعيد بن سليمان هذا هو الواسطي الثقة. ثم نقل من "المنتخب" لابن قدامة قول مهنا، صاحب الإمام أحمد: "سألت أحمد عن حديث حدثنا سعيد بن سليمان (فساقه بسنده) فقال أحمد: ما خلق الله من ذا شيئاً، هذا حديث أبي هارون عن أبي سعيد"! وقد علق الشيخ العلامة على كلام أحمد بقوله: "وجواب أحمد هذا يحتمل أحمد أمرين: إما أن يكون سعيد عنده هو الواسطي، وعندئذ فتوهيمه في إسناده إياه مما لا وجه له في نظري لثقته كما سبق، وإما أن يكون عني أنه النشيطي الضعيف، وهذا مما لا وجه له بعد ثبوت أنه الواسطي". ثم ساق له متابعاً مجهولاً رواه عن الجريري عن أبي نضرة أخرجه الرامهرمزي ومن طريقه العلائي. ثم ساق الشيخ العلامة طريقين آخرين عن أبي سعيد لا يصحان أيضاً، وشواهد ضعيفة، وإنما كان مدار تصحيحه للحديث على رواية عباد بن العوام، عن الجريري، عن أبي نضرة، عن أبي سعيد.

وقد غفل الشيخ العلامة – حفظه الله تعالى – عن علة هذا الحديث الحقيقية وهي اختلاط الجريري، إذ كان الجريري قد اختلط قبل موته بثلاث سنين. وقد بينا في كتابنا "التحرير" أن الذين سمعوا منه قبل اختلاطه هم: شعبة، والسفيانان، والحمادان، وإسماعيل بن علية، ومعمر بن راشد، وعبد الوارث بن سعيد، ويزيد بن زريع، ووهيب بن خالد، وعبد الوهاب بن المجيد الثقفي، وبشر بن المفضل، وعبد الأعلى بن عبد الأعلى السامي. أما الباقون فسمعوا منه بعد الاختلاط.

ومن سوء صنيع الحاكم في مستدركه أن يستدرك على الشيخين أحاديث رويت لرجال من رجالهما دون مراعاة منه لصنيعهما وطريقتهما في إخراج الحديث من رواية بعضهم عن بعض. نعم احتج الشيخان بسعيد بن سليمان الواسطي، واحتجا بعباد بن العوام، واحتجا بالجريري، ولكن هل احتجا برواية عباد بن العوام من الجريري؟ لا شك أنهما لا يفعلان ذلك، وكيف يفعلان، وهما من هما في العلم والمعرفة، فهل يفوتهما أن عباد بن العوام إنما سمع من الجريري بعد اختلاطه؟!

ثم لنتأمل عبارة الإمام المبجل أحمد بن حنبل جواباً عن سؤال تلميذه مهنا: "ما خلق الله من ذا شيئاً، هذا حديث أبي هارون عن أبي سعيد " ثم نضع بجانبها قول الترمذي: "هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث أبي هارون عن أبي سعيد "، فهذان الإمام العالمان الجهبذان الحافظان مئات ألوف الأسانيد استنكر أن يوجد هذا الحديث إلا من حديث أبي هارون.

وسؤال مهنا الإمام أحمد عن هذا الإساند يدل على أنه كان معروفاً في ذلك الوقت، لكن أحداً من المصنفين كأصحاب الكتب الستة أو المسانيد والمصنفات كأحمد والطيالسي وعبد الرزاق وابن أبي شيبة لم يذكروه في كتبهم، فلماذا بقي مختفياً ليظهر في القرن الرابع الهجري؟! وجواب ذلك عندنا يسير إن شاء الله، وهو أن هذا الإسناد خطأ لا صحة له، وآفته عندنا الجريري فلعله رواه بعد اختلاطه عن " أبي نضرة " بدلاً من "أبي هارون" لا سيما وهو يروي عن كليهما.

خامسا ً: الذهبي ومستدرك الحاكم:

كتاب " المستدرك على الصحيحين " لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري المتوفي سنة 405هـ كتاب وسيع مشهور بين أهل العلم زعم مؤلفه أنه استدرك أحاديثه على الشيخين، وفيه بلايا، قال الذهبي في السير: "في المستدرك شيء كبير على شرطهما، وشيء كثير على شرط أحدهما، ولعل مجموع ذلك ثلث الكتاب، بل أقل، فإن في كثير من ذلك أحاديث في الظاهر على شرط أحدهما أو كليهما، وفي الباطن لها علل خفيفة مؤثرة، وقطعة من الكتاب إسنادها صالح وحسن وجيد، وذلك نحو ربعه، وباقي الكتاب مناكير وعجائب، وفي غضون ذلك أحاديث نحو المئة يشهد القلب ببطلانها، كنت قد أفردت منها جزءاً، وحديث الطير () بالنسبة إليها سماء () ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير