وبالجملة ما وصل إليه علم الحديث أيام الموحدين من ازدهار؛ لا يحتاج إلى دليل؛ إذ ذلك معروف ومعلوم لكل من خبر تاريخ المغرب من قريب أو من بعيد؛ ويمكن الاكتفاء بقول الأستاذ المنوني في بحثه القيم عن ((العلوم والفنون في عهد الموحدين)): " ه1ابن القطان إلى ما وجد في المغرب على عهدهم من أعلام كبار من الأندلس والقيروان وغيرهما؛ حتى اجتمع في فاس على حد تعبير ((المعجب)) علم القيروان وعلم قرطبة؛ وصارت مراكش هي الأخرى عاصمة علم ثانية؛ الأمر الذي له دخل كبير في تسمية غير واحد لها ببغداد المغرب؛ وكذا سبتة وطنجة وغير مدينة من مدن المغرب " [6] ويضيف " وكذا ازدهر الحديث في هذا العهد ازدهارا لم يكن له من قبل؛ وقد استمد نهضته من اهتمام الموحدين به اهتماما كبيرا ظهر في استدعائهم للمحدثين من الأندلس؛ وأمرهم بتدريسه إلى جانب المحدثين المغاربة. "
3 - شيوخ ابن القطان:
على هذا البصاط الحديثي الذي نسجه الموحدون ولد أبو الحسن بن القطان ونشأ وتلقى علومه؛ فوجد سوق الحديث رائجة؛ وشيوخه متوافرين؛ ورواته محترمين؛ وطلبته متكاثرين؛ والباحثين والمناظرين في مسائله نشطين متحفزين؛ كما يؤكد هو نفسه في مقدمة كتابه ((بيان الوهم والايهام)) إذ يقول: "قد يكون (أي كتابه) مما لم يسبق إليه في الصناعة الحديثية وترتيب النظر فيها المستفاد بطول البحث وكثرة المباحثة والمناظرة؛ وشدة الاعتناء ".
ومن شيوخ فاس ومراكش؛ أو ممن كان يفد عليهما من حفاظ الحديث والمعتنين بروايته؛ تلقى علومه؛ حيث لازمهم؛ ونهل من حياض معارفهم واستكثر من رواية الحديث؛ ومن لم يتيسر له لقاؤه ممن علت روايتهم من الأندلسيين كاتبهم مستجيزا فأجازوا له؛ بعد أن بلغهم نبوغه وتحصيله.
وقد ضمن هؤلاء الشيوخ ما بين سماع إجازة ((برنامجه)) الذي قال عنه ابن القاضي: " وجمع برنامجا مفيدا في مشيخته " [7] ونقل ابن عبد الملك من هذا ((البرنامج)) الذي وقف عليه؛ تفصيل شيوخ السماع من شيوخ الإجازة حيث ختم قائمة شيوخ السماع بقوله: " هؤلاء لقيهم وأكثر عنهم " ثم بدأ سرد أسماء المجيزين بقوله: " وكتب إليه مجيزا …… " [8]
كما أنه رحل إلى إفريقية والأندلس فأخذ عن شيوخهما. وقد ذكره ابن الأبار وابن عبد الملك في قسم الزائرين للأندلس.
ونكتفي هنا بذكر أبرز شيوخه في الحديث؛ كما ذكرهم مترجموه؛ أما شيوخه في العلوم الأخرى؛ أو كل شيوخه في الحديث؛ فيطول الحال باستعراضهم.
- أبو الحسن بن النقرات؛ واسمه علي بن موسى بن علي بن خلف السالمي؛قال بن عبد الملك: " كان مقرئا مجودا محدثا راوية … " وبعد أن ذكر شيوخه قال: " روى عنه أبو الحسن ابن القطان … " [9]
- أبو القاسم بن ملجوم الفاسي؛ واسمه عبد الرحيم بن عيسى بن يوسف له رواية واسعة بالمغرب والأندلس توفي سنة 604؛ قال بن القاضي: " وكان متصل العناية بالرواية ولقاء الشيوخ والإكثار من حمل الرواية؛ بصيرا بالحديث؛ محافظا على تقييده وضبطه … ". [10] ذكره في شيوخ بن القطان ابن الزبير وابن عبد الملك.
- أبو عبد الله بن البقار؛ واسمه محمد بن إبراهيم بن حزب الله؛ فاسي قال بن الأبار: "… وكان من أهل الفقه والحديث متحققا بالرواية والحديث عن رجالها؛ عاكفا على التدريس؛ حافظا متقنا … روى عه أبو الحسن ابن القطان؛ وتفقه به؛ فأجاز له جميع روايته في سنة582" [11]
- أبو بكر بن المواق؛ والد الحافظ أبي عبد الله تلميذ ابن القطان واسمه أبو بكر بن خلف الأنصاري؛ قرطبي قال بن الأبار: " وعني بالحديث على جهة التفقه والتعليل والبحث عن الأسانيد والرجال والزيادات وما يعارض وما يعاضد؛ ولم يعن بالرواية؛ وقد حدث وسمع منه أبو الحسن ابن القطان … " [12]
¥