تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وسأنقل هنا كلاماً عن ابن رجب في إطلاق النكارة على ما انفرد به الثقة، فقد نقل ابن رجب رحمه الله عن الإمام أحمد قال: قال لي يحيى بن سعيد: لا أعلم عبيدالله بن عمر أخطأ إلا في حديث واحد لنافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تسافر امرأة فوق ثلاثة أيام .... الحديث، قال أبو عبدالله: فأنكره يحيى بن سعيد عليه، قال أبو عبدالله: فقال لي يحيى بن سعيد: فوجدته قد حدّث به العمري الصغير عن نافع عن ابن عمر مثله، قال أبو عبدالله: لم يسمعه إلا من عبدالله فلما بلغه عن العمري صححه، وهذا الكلام يدل على أن النكارة عند يحيى القطان لا تزول إلا بمعرفة الحديث من وجه آخر وكلام أحمد قريب من ذلك. وقال عبدالله: سألت أبي عن حسين بن علي الذي يروي حديث المواقيت؟ فقال:هو أخو أبي جعفر محمد بن علي، وحديثه الذي روى في المواقيت ليس بمنكر؛ لأنه قد وافقه على بعض صفاته غيره، وقال أحمد في بريد بن عبدالله بن أبي بردة يروي أحاديث مناكير، وقال أحمد في محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي: هو المتفرد برواية حديث الأعمال بالنيات في حديثه شيء، يروي أحاديث مناكير أو قال: منكرة، وقال في زيد بن أبي أنيسة: إن حديثه لحسن مقارب وإن فيها بعض النكارة، وقال الأثرم: قلت لأحمد: إن له أحاديث إن لم تكن مناكير فهي غرائب؟ قال: نعم. وهؤلاء الثلاثة متفق على الاحتجاج بحديثهم في الصحيح، وقد استنكر أحمد ما انفردوا به، وكذلك قال في عمرو بن الحارث: له مناكير، وفي الحسين بن داود وخالد بن مخلد وجماعة خرج لهم في الصحيح بعض ما ينفردون به، وأما تصرف الشيخين والأكثرين فيدل على خلاف هذا وإن ما رواه الثقة عن الثقة إلى منتهاه وليس له علة فليس بمنكر، وقد خرجا في الصحيحين حديث بريد بن عبدالله بن أبي بردة وحديث محمد بن إبراهيم التيمي وحديث زيد بن أبي أنيسة. انتهى كلام ابن رجب ().

وهذا يدل على إن إطلاق النكارة على التفرد من الثقة فيما سبق استعمله يحيى بن سعيد والإمام أحمد ()، أما الإمام البخاري ومسلم والأكثرون من المحدثين بخلافهم يصححونه ولا يعدونه منكراً، وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في آخر شرحه للعلل أمثلة كثيرة لأحاديث أنكرت على بعض الثقات ().

وتفرد الثقات في الأصل ليس بعلة وإلا للزم القول بوجوب تعدد الرواة في شرط الصحة ولم يقل بهذا عامة أهل العلم، لكن طائفة من المتقدمين قد يعلون الحديث بتفرد الثقة ويجعلونه شاذاً أو منكراً، فمتى يكون تفرد الثقة علة؟

فيما يظهر لي من خلال التتبع أن ذلك يكون في حالات أذكر أبرزها:

الأولى: أن يكون المتفرد الثقة تفرد عن راوٍ عالم حريص على نشر ما عنده من الحديث وتدوينه ولذلك العالم طلاب كثيرون مشهورون وقد يكون له كتب معروفة قيد حديثه فيها وكان تلامذته حفاظاً حريصين على ضبط حديثه حفظاً وكتابة، فإن شذ هذا الراوي عن هؤلاء فروى ما لا يروونه فإن هذا ريبة قد توجب زوال الظن بحفظه حسب القرائن () بينما لو انفرد راوٍ بحديث عمن ليس على هذه الشاكلة من مشايخه فليس هناك ريبة في الأمر وهذا ما أشار إليه الإمام مسلم رحمه الله في مقدمة صحيحه حيث قال: فأما من تراه يعمد لمثل الزهري في جلالته وكثرة أصحابه الحفاظ المتقنين لحديثه وحديث غيره أو كمثل هشام ابن عروة وحديثهما عند أهل العلم مبسوط مشترك، وقد نقل أصحابهما عنهما حديثهما على اتفاق منهم في الكثرة، فيروي عنهما أو عن أحدهما العدد من الحديث ممن لا يعرفه أحد من أصحابهما وليس من قد شاركهم في الصحيح الذي عندهم فغير جائز قبول حديث هذا الضرب من الناس ().

وفي هذا أيضاً يقول الذهبي في الموقظة: وقد يعد مفرد الصدوق منكراً، وقال في موضع آخر وقد يسمى جماعة من الحفاظ الحديث الذي ينفرد به مثل هشيم وحفص بن غياث منكراً () فيحمل كلام الذهبي على ما سبق، ويحمل عليه أيضاً تعريف الحاكم للشاذ، وقد أحسن الدكتور حمزة المليباري حيث دافع عن الحاكم في هذا فقال: ولم يقصد الحاكم بذلك تفرد الثقة على إطلاقه، بل قصد نوعاً خاصاً منه وينقدح في نفس الناقد أنه غلط (). ومن أمثلته أيضاً ما تفرد به محمد بن عبدالله بن الحسن عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا سجد أحدكم فلا يبرك

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير