ففهم عائشة رضي الله عنها معارضة عموم الحديث للقرآن مع ما يؤيده من قول ابن عباس أولى من القول بعموم هذا الحديث والتعسف في تأويله كما فعل الألباني حيث قال: فإنه لم يحرم الجنة بفعل والديه بل إن النقطة الخبيثة لا يتخلق منها طيب في الغالب ولا يدخل الجنة إلا نفس طيبة، فإن كانت في هذا الجنس طيبة دخلت الجنة، وكان الحديث من العام المخصوص ().
ثم أراد الألباني رحمه الله أن يؤيد ما ذكره فقوى زيادة: ((ولا ولد زنية)) في حديث: ((لا يدخل الجنة عاق ... إلخ)) وليست بقوية لمن دقق وتأمل، ثم حاول أن يؤولها فتعسف أيضاً () مع أنه صحح ما رواه عبدالرزاق عن عائشة أنها قالت: ((ما عليه من وزر أبويه، قال تعالى: ولا تزر وازرة وزر أخرى)) قالته رداً على من روى هذا الحديث.
ومن هذا الباب أيضاً فيما يظهر لي تصحيحه لحديث: أكثر من يموت من أمتي بعد كتاب الله وقضائه وقدره بالأنفس (يعني بالعين) () فهو مع ما في متنه ففي سنده طالب بن حبيب بن عمرو بن سهل الأنصاري يهم، ونقل ابن عدي عن البخاري قال: فيه نظر، وقد تفرد به كما ذكر ابن عدي () وإن كان قد وثق إلا أن التفرد مع الوهم يقضي التوقف فيما رواه.
وأعجب من ذلك تصحيحه لحديث: ((إن الله أذن لي أن أحدث عن ديك قد مرقت رجلاه في الأرض، وعنقه منثن تحت العرش وهو يقول: سبحانك ما أعظمك ربنا، فيرد عليه ما يعلم ذلك من حلف بي كاذباً)) ().مع أن الحديث تفرد به معاوية بن اسحاق بن طلحة التيمي وهو وان كان ثقةروى له البخاري الا ان له اوهام ولذلك تكلم فيه ابو زرعةفقال: شيخ واه. (الجرح والتعديل8/ 381) ولهذا قال عنه ابن حجر: صدوق يهم (التقريب ص:537) وليس المجال تتبع ذلك فأكتفي بما سبق خوف الإطالة، والأمثلة كثيرة.
4 - ومن طرق الإعلال عند المتقدمين إعلال الحديث إذا دل على معنى يخالف المعنى الذي
دلت عليه الأحاديث الصحيحة:
وأذكر مثالاً لذلك حديث: ((أمتي أمة مرحومة جعل عذابها بأيديها في الدنيا)) فهذا الحديث ذكر طرقه الإمام البخاري رحمه الله في كتابه التاريخ الكبير ثم أعلّه بقوله: والخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم في الشفاعة وأن قوماً يعذبون ثم يخرجون أكثر وأبين وأشهر () ا. هـ فهذا تعليل إمام الحديث والعلل البخاري رحمه الله نظر فيه إلى مخالفة معنى هذا الحديث لما ثبت في الأحاديث الصحيحة الكثيرة الأخرى التي تثبت دخول طائفة من أمة محمد صلى الله عليه وسلم النار ().
وعلى كل فللمتقدمين طرائق كثيرة في إعلال الحديث يطول استيعابها، إنما أشرت لإبرزما غفل عنه المتأخرون.
تنبيه حول الأحاديث المعلّة في الصحيحين:
من المعلوم أن هناك أحاديث انتقدت على البخاري ومسلم رحمهما الله وذكر لها علل لكن ليس كل ما انتقد على البخاري ومسلم يكون فيه وجه الحق مع المنتقد بل يكون كثيراً معهما خاصة البخاري، وما كان فيها من منتقد فهو ليس من قبل ثقة الرواة بل من قبل خطئهم.
يقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: ((ولهذا كان جمهور ما أنكر على البخاري مما صححه يكون قوله فيه راجحاً على قول من نازعه بخلاف مسلم فإنه نوزع في أحاديث مما خرجها وكان الصواب فيها مع من نازعه، كما روى في حديث الكسوف أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بثلاث ركوعات وبأربع ركوعات، والصواب أنه لم يصل إلا بركوعين وكذلك روى مسلم: خلق الله التربة يوم السبت ونازعه فيه من هو أعلم منه يحيى بن معين والبخاري وغيرهما فبينوا أن هذا غلط ليس من كلام النبي صلى الله عليه وسلم والحجة مع هؤلاء () ثم فصل في ذلك إلخ كلامه رحمه الله.
أقول: ومن هذا الباب ما يقع للباحث في الصحيح من ألفاظ يجزم أنها خطأ، فمن ذلك حديث في صحيح مسلم ذاكرني به بعض طلاب العلم من طلابنا وهو حديث القراءة في ركعتي الفجر: ((قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا)) والتي في آل عمران: ((تعالوا إلى كلمة سواء بيينا وبينكم)) هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه من طريق أبي خالد الأحمر عن عثمان بن حكيم عن سعيد بن يسار عن ابن عباس، فهذا فيما يظهر خطأ والصواب الرواية الأخرى التي أخرجها مسلم من طريق مروان بن معاوية الفزاري عن عثمان بن حكيم به بلفظ: ((كان يقرأ في ركعتي الفجر في الأولى منهما: ((قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا)) الآية التي في البقرة
¥