وعلى هذا نستطيع أن نقول أن التعريف كان موجودا قبل الترمذي ومتعارف عليه بين أئمة هذا الفن الشريف ولكن أحدا منهم لم يدونه في تصانيفه، حق جاء الترمذي – رحمه الله – فدونه في تقدمة جامعه، فكان أول من دونه لا أول من حده والله أعلم.
وسنبدأ في عرض تعريفات الحديث الحسن بشقيه والكلام على كل منها وشرحها شرحا وافيا بأذن الله.
- قال الذهبي – رحمه الله – في الموقظة: وفي تحرير معناه اضطراب، ثم ذكر – رحمه الله – تعريف الخطابي، ولكن رأينا أن نبدأ بتعريف الترمذي – رحمه الله – لقولهم أنه أول من وضع هذا التعريف، وقد تكلمنا في هذا قريبا، ولكن كونه أول من دونه كما ذكرنا يجعلنا نبدأ بتعريفه.
أولا: تعريف الترمذي:
قال – رحمه الله -: فكل حديث ليس في إسناده من يتهم بالكذب ولا يكون شاذا ويروى من غير وجه فهو عندنا حديث حسن.
الوجه ينافي قوله في تعريف الحسن: ويروى من غير وجه، وهذا واضح.
قال ابن الصلاح – رحمه الله – بعد أن ذكر تعريفات للحسن: كل هذا مستبهم!! لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره الترمذي والخطابي ما يفصل الحسن من الصحيح!!
فكأنه – رحمه الله – يقول: إن الشروط التي شرطها الترمذي – رحمه الله تنطبق على جزء آخر أو نوع آخر من الحديث وهو الصحيح، فتعريف الترمذي لم يفصل بين الحسن والصحيح فعلا تاما!!
نقول والضعيف أيضا قد يدخل في تعريف الترمذي!! وهذا واضح أيضا!!، والأعجب أنه لم يشترط السلامة من العلة!!
ثانيا: تعريف الخطابي – رحمه الله -:
قال – رحمه الله – هو ما عرف مخرجه واشتهر رجاله وعليه مدار أكثر الحديث وهو الذي يقبله أكثر العلماء ويستعمله عامة الفقهاء. سبق أن ذكرنا قول ابن الصلاح – رحمه الله – أن كل ذلك لا يشفي الغليل ولا يفصل الحسن من الصحيح.
قال الذهبي – رحمه الله – وهذه عبارة ليست على صناعة الحدود والتعريفات، إذ الصحيح ينطق عليه ذلك أيضا، وهو كلام صحيح وواضح.
ثالثا – تعريف ابن الجوزي – رحمه الله -:
قال – رحمه الله -: هو ما فيه ضعف محتمل ويجوز العمل به. قال الذهبي – رحمه الله -: وهذا أيضا ليس مضبوطا بضابط يتميز به الضعف المحتمل، أي أن – وهذا كلامنا – لفظة ضعف محتمل لا تضع حدا للتعريف يمكن الاعتماد عليه كما أنها مسألة نسبية!!
وكذا يجب أن نسأل: ما معيار هذا الضعف المحتمل حتى نبقي الحديث في دائرة الاحتجاج؟!!
رابعا: تعريف ابن الصلاح:
قال – رحمه الله -: إن الحسن قسمان:
أحدهما: ما لا يخلو سنده من مستور لم تتحقق أهليته غير أنه ليس مغفلا ولا خطاء فيما يرويه ولا هو متهم بالكذب في الحديث أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق، ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف بأن روى مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله أو بما له من شاهد وهو ورود حديث آخر بنحوه فيخرج بذلك عن أن يكون شاذا ومنكرا، وكلام الترمذي على هذا يتنزل!!!
والثاني: أن يكون راويه مشهور بالصدق والأمانة لكنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح لقصوره عنهم في الحفظ والإتقان وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد تفرده منكرا مع عدم الشذوذ والعلة، وعلى هذا يتنزل كلام الخطابي!!!
قال الذهبي – رحمه الله – بعد أن ذكر القسمين: فهذا عليه مؤاخذات!!
نقول: إن التعريفات السابقة اكتفينا بذكر بعض النقد الموجه لها مرجئين الكلام عنها تفصيليا إلى مبحث قادم بإذن الله تعالى، أما تعريف ابن الصلاح – رحمه الله – فسنتكلم عنه هنا أيضا نظرا لأهمية التعريف لأسباب:
- أنه أول من قسم الحسن إلى حسن لذاته وحسن لغيره (بصرف النظر عن صحة هذا التقسيم).
- أنه فترة ما قبل تعريف ابن الصلاح – رحمه الله – كان هذا المعنى مبهما غامضا كل يحاول فك أسراره وغموضه، وأول من أرسى له قواعد شبه ثابتة هو ابن الصلاح – رحمه الله -، ولا أقول ثابتة للنقاط التالية:
أ - كلام الترمذي والخطابي – رحمهما الله على قسمن واحد يسمى الحسن، والترمذي سواء كان أول من حده أو أول من دونه فهو أعلم بمراده، وإذا سلمنا بكلام ابن الصلاح – رحمه الله – في كون القسم الأول يتنزل على تعريف الترمذي (وهو الحسن لغيره) فإن تعريف الخطابي يمكن حمله على هذا أيضا.
¥