تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ثم وجدت في كلام أبي العباس بن سريج – في رده عل أبي بكر بن داود ما عاترض به على الشافعي – أن مراد الشافعي أن المرسل للحديث يعتبر أن توجد مراسيله توافق ما أسنده الحفاظ المأمونون، فيستدل بذلك على أن لمراسيله أصلاً، فإذا وجدنا له مرسلاً بعد ذلك قبل، وإن لم يسنده الحفاظ، وكأنه يعتبر أن يوجد الغالب على مراسيله ذلك، إذ لو كان معتبراً في جميعها لم يقبل له مرسل حتى يسنده الثقات، فيعود الإشكال.

وهذا الذي قاله ابن سريج مخالف لما فهم الناس من كلام الشافعي، مع مخالفته لظاهر كلامه. والله أعلم].

والثاني: أن يوجد مرسل آخر موافق له، عن عالم يروي عن غير من يروي عنه المرسل الأول فيكون ذلك دليلاً على تعدد مخرجه، وأن له أصلاً، بخلاف ما إذا كان المرسل الثاني لا يروي إلا عمن يروي عنه الأول، فإن الظاهر أن مخرجهما واحد لا تعدد فيه. وهذا الثانيأضعف من الأول.

والثالث: أن لا يجد شئ مرفوع يوافق، لا مسند ولا مرسل، لكن يوجد ما يوافق من كلام بعض الصحابة، فيستدل به على أن للمرسل أصلاً صحيحاً أيضاً. لأن الظاهر أن الصحابي إنما أخذ قوله عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

والرابع: أن لا يجد للمرسل ما يوافقه لا مسند ولا مرسل ولا قول صحابي، لكنه يوجد عامة أهل العلم على القول به، فإنه يدل على أن له أصلاً، وأنهم مسندون في قولهم إلى ذلك الأصل.

فإذا وجدت هذه الشرائط دلت على صحة المرسل وأنه له أصلاً، وقبل واحتج به.

ومع هذا فهو دون المتصل في الحجة، فإن المرسل وإن اجتمعت فيه هذه الشرائد فإنه يحتمل أن يكون في الأصل مأخوذاً عن غير من يحتج به.

ولو عضده حديث متصل صحيح، لأنه يحتمل أن لا يكون أصل المرسل صحيحاً.

وإن عضده مرسل فيحتمل أن يكون أصلهما واحداً وأن يكون كتلقى عن غير مقبول الرواية.

وإن عضده قول صحابي فيحتمل أن الصحابي قال برأيه من غير سماع من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يكون في ذلك ما يقوي المرسل، ويحتمل أن المرسل لما سمع قول الصحابي ظنه مرفوعاً فغلط ورفعه، ثم أرسله ولم يسم الصحابي. فما أكثر ما يغلط في رفع الموقوفات.

وإن عضده موافقة قول عامة الفقهاء فهو كما لو عضده قول الصحابي وأضعف، فإنه يحتمل أن يكون مستند الفقهاء اجتهاداً منهم، وأن يكون المرسل غلط ورفع كلام الفقهاء، لكن هذا في حق كبار التابعين بعيد جداً.

وقال الشافعي أيضاً في كتاب الرهن الصغير وقد قيل له: كيف قبلتم عن ابن المسيب منقطعاً ولا تقبلوه عن غيره؟.

قال: ((لا نحفظ لابن المسيب منقطعاً إلا وجدنا ما يدل على تسديد، ولا أثر عن أحد عرفنا عنه، إلا عن ثقة معروف، فمن كان مثل حاله قبلنا منقطعه)).

وهذا موافق لما ذكره في الرسالة، فإن ابن المسيب من كبار التابعين، ولم يعرف له رواية عن غير ثقة، وقد اقترن بمراسيله كلها ما يعضدها.

وقد قرر كلام الشافعي هذا البيهقي في مواضع من تصانيفه كالسنن، والمدخل، ورسالته إلى أبي محمد الجوبني، وأنكر فيها على الجوبني قوله: ((لا تقوم الحجة بسوى مرسل ابن المسيب)) وأنكر صحة ذلك عن الشافعي، وكأنه لم يطلع على رواية الربيع عنه التي قدمنا ذكرها.

قال البيهقي: ((وليس الحسن وابن سيرين بدون كثير من التابعين، وإن كان بعضهم أقوى مرسلاً منهما، أو من أحدهما، وقد قال الشافعي بمرسل الحسن حين اقترن به ما يعضده في مواضع، منها: النكاح بلا ولي، وفي النهي عن بيع الطعام حتي يجري فيه الصاعان، وقال بمرسل طاوس، وعروة، وأبي أمامة بن سهل، وعطاء بن أبي رباح، وعطاء بن يسار، وابن سيرين، وغيرهم من كبار التابعين حين اقترن به ما أكده، ولم يجد ما هو أقوى منه، كما قال بمرسل ابن المسيب في النهي عن بيع اللحم بالحيوان، وأكده بقول الصديق، وبأنه روي من وجه آخر مرسلاً، وقال: ((مرسل ابن المسيب عندنا حسن)).

ولم يقل بمرسل ابن المسيب في زكاة الفطر بمدين من حنطة. ولا بمرسلة في التولية قبل أن يستوفي. ولا بمرسلة في دية المعاهد.

ولا بمرسلة ((من ضرب إباه فاقتلوه))، لما لم يقترن بها من الأسباب ما يؤكدها، أو لما وجد من المعارض لها ما هو أقوى منه)) انتهى ما كذره البيهقي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير