نعم! نحن نعرف مثلاً نظام الأوقاف في دبي. هناك نموذجان من أنجح ما يمكن أن يقال في نظام الأوقاف وهو (مركز جمعة الماجد) و (دار البحوث العلمية) و (إحياء التراث) التي تديرها إدارة الأوقاف في دبي؛ فدار البحوث هذه من فروع الأوقاف، وتحظى برعاية ودعم مشكور من الحكومة ومن الأمراء شخصياً، وقد أصدرت الآن مجلة علمية محكّمة، وأخرجت ما لا يقل عن خمسين كتاباً ما بين بحث وما بين كتاب وما بين تحقيق وما بين تأليف وما بين عقد مؤتمر، مؤتمرات علمية حول المواد الشرعية وطريقة الاستفادة منها، والنهوض بها وغير ذلك، وهذا نموذج طيب جدّاً للأوقاف الناجحة في الحقيقة؛ لأنها أدت رسالة، ويمكن أن نقول إنها بإمكانات أقل من الأوقاف الموجودة في دول أخرى ونتائج أوسع وأفضل.
كذلك بعض جهات الأوقاف في المغرب لها إصدارات ولها صوت يدل على أن جهات الوقف تنتج في هذا المجال.
لا أعني بذلك أن الأوقاف الموجودة في دولةٍ ما ليست منتجة، لكن كما أقول هناك نماذج بالتعاون أنتجت وهناك نماذج لم تثمر.
(البيان): شهد نصف القرن الأخير تقريباً نهضة واسعة في علوم الحديث وازدهارها، وكان لها دورها في ترشيد جانب مهم من الصحوة الإسلامية، تتمثل في إعادة الاعتبار إلى السنة وتعظيم الناس لها، لكن مما عكر صفو هذا الخير تصدُّر من لم يتأهل بعد: في نظركم ما هي مواصفات وشروط محدث العصر، وكيف تعالج قضية التصدر هذه؟
لا بد أن يفرَّق بين الدارس لعلوم الحديث وبين باحث في الحديث وبين من يسمى بـ «المحدِّث»، وأهم ما يشترط في محدِّث العصر أن يكون ما يعرفه من علوم الحديث سواء رواية أو دراية أو فنون الحديث بجميع أنواعها أكثر مما يجهله.
والحفظ بمعنى الفهم والاستيعاب يعني حفظ الذاكرة لا نملكه أو ما يمكن أن نحاسبه عليه، أنا درست على بعض أشخاص كانوا يقولون: نحن نحفظ الكتب الستة، أنا لا أستطيع أن أجعل هذا شرط المحدث الآن، لكن الذي اشترطه عليه أن يكون ما يعلمه من تراث الحديث بجميع فنونه أكثر مما يجهله، وهذا ضابط ينبغي أن يطبق، فإذا وصل المحدث إلى هذه الدرجة، فهو الذي يمكن أن يفيد ويمكن أيضاً أن يوضع في هذا المكان.
فإذا كان ما يجهله أكثر فهنا يكون التصدر قبل التأهل، إلا أنه من الصعب التحكم في مثل هؤلاء، ولكن العلاج في تقديري هو أن يظهر مجموعة من النوع الأول تسد حاجة الناس إلى النوع الثاني، يعني هؤلاء الذين تصدروا طبعاً تصدُّرهم في حد ذاته له سبب وهو وجود الفراغ؛ فقبل أن أحاسبهم على هذا التصدر أريد أن أحث غيرهم على ملء هذا الفراغ بمن هو كفء.
هذه المسؤولية مشتركة: أولاً على علماء الحديث، ثانياً على الجهات التي سبق أن ذكرنا أن يناط بها الحفاظ على هذا التخصص، سواء كانت مؤسسات علمية رسمية كالجامعات الإسلامية والأزهر مثلاً، أو كانت جهات ممولة خيرية؛ لأن العلم يزهو بالإنفاق، فبذلك إذا أردنا أن نقضي على هذا التصدر فنحن نحتاج إلى ملء الفراغ بالأكفاء.
ـ[خليل بن محمد]ــــــــ[13 - 09 - 03, 11:48 ص]ـ
(البيان): الحركة العلمية الحديثة في مجال تنقيح علوم السنة وتحقيقها وتصحيحها كان لها ريادة بلا شك في هذا المجال، ما هي المصالح التي ترتبت على هذه الحركة، وهل هناك ملاحظات يمكن أن تذكر في هذا المجال؟
لا شك أن الريادة العلمية التي أستطيع ذكرها قد تمثلت في ظهور الشيخ أحمد شاكر ـ عليه رحمة الله ـ ومن كان في وقته من علماء الأزهر في مصر، وظهور الشيخ عبد الرحمن المعلمي في الهند، ثم في السعودية ومن ظهور الشيخ الألباني أيضاً ـ عليه رحمة الله ـ في الشام، وظهور الغماريين في مصر والمغرب، فهؤلاء جميعاً كانوا رموزاً أعادت لمدرسة الحديث شيئاً كبيراً جداً من تقدمها وحيويتها أو صحوتها. ما زلت أذكر كلام الشيخ الألباني ـ عليه رحمة الله ـ في مقالاته المبكرة في مجلة الوعي الإسلامي، والتي كانت نواة لسلسلة الأحاديث الضعيفة، كنا نقرؤه ونحن طلاب في الثانوي أو في الجامعة ونعده في وقته فتحاً جديداً، كيف نقرأ الحديث في سنن النسائي غير مبين الدرجة، ثم نجد الشيخ الألباني يقول: رواه النسائي بإسناد حسن، فمثل هذا العمل كان يمثل مرحلة جيدة بحمد الله، كذلك الشيخ عبد الله بن الصديق الغماري والشيخ أحمد بن الصديق الغماري كان لهما جهد في هذا في بلاد المغرب، وتعاون مع أساتذة
¥