قلت: فحديث المجهول الذي لا تعلم حاله يتوقف فيه إلى أن تدل القرائن على قبوله وإلا رد.
قال الثوري: إني لأروي الحديث على ثلاثة أوجه: أسمع الحديث من الرجل أتخذه ديناً، وأسمع من الرجل أقف فيه، وأسمع من الرجل لا أعبأ به وأحب معرفته (1).
وقال الجوزجاني: أبو إسحاق ـ السبيعي ـ روى عن قوم لا يعرفون، ولم ينتشر عنهم عند أهل العلم إلا ما حكى أبو إسحاق عنهم، فإذا روى تلك الأشياء التي إذا عرضتها الأمة على ميزان القسط الذي جرى عليه سلف المسلمين وأئمتهم الذين هم الموئل لم تتفق عليها، كان الوقف في ذلك عندي الصواب؛ لأن السلف أعلم بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم وتأويل حديثه الذي لا
أصل عندهم (2).والراوي الذي لم يشتهر ولكن روى بعض الأحاديث التي استقامت يقبل حديثه.
وقال الخطيب البغدادي: من لم يرو عنه غير حديث أو حديثين ولم يعرف بمجالسة العلماء، وكثرة
الطلب، غير أنه ظاهر الصدق، مشهود بالعدالة، قبل حديثه، حراً كان أو عبداً، وكذلك إن لم يكن من أهل العلم بمعنى ما روى لم يكن بذلك مجروحاً؛ لأنه ليس يؤخذ عنه فقه الحديث، وإنما يؤخذ منه لفظه (3).
والمجهولون على درجات، قال الذهبي رحمه الله: أما المجهولون من الرواة؛ فإن كان الرجل من كبار التابعين أو أوساطهم احتمل حديثه وتلقي بحسن الظن، إذا سلم من مخالفة الأصول وركاكة الألفاظ
وإن كان الرجل منهم من صغار التابعين فيتأنى في رواية خبره، ويختلف ذلك باختلاف جلاله الراوي عنه، وتجربة وعدم تجربة ذلك.
وإن كان المجهول من أتباع التابعين فمن بعدهم فهو أضعف لخبره لا سيما إذا انفرد به (4).
وقال ابن أبي حاتم: باب في رواية الثقة عن غير المطعون عليه أنه تقوية، وعن المطعون عليه أنها لا تقويه.
قال: سألت أبي عن رواية الثقات عن رجل غير ثقة مما يقويه؟ قال: إذا كان معروفاً بالضعف لم تقوه روايته عنه، وإذا كان مجهولاً نفعه رواية الثقة عنه.
وقال: سألت أبا زرعة عن رواية الثقات عن رجل مما يقوي حديثه؟ قال: أي لعمري، قلت: الكلبي روى عنه الثوري، قال: إنما ذلك إذا لم يتكلم فيه العلماء وكان الكلبي يتكلم فيه (5).
وقال عيسى بن يونس: كان سفيان لا يأخذ لا يأخذ عن أحد إلا أخذنا عنه، فأخبرني أصحابنا أنهم كانوا مع سفيان، ودخل على محمد بن سعيد، ونحن بالباب، فخرج، فقال: كذاب ـ يعني الذي قتله أبو جعفر (1).
وقال الذهبي: وإن كان المنفرد عنه من كبار الأثبات فأقوى لحاله ويحتج بمثله جماعة كالنسائي وابن حبان (2).
قلت: وإن كان الراوي عن المجهول ممن لا يروي إلا عن ثق كان ذلك أرفع لحديثه وأوقى لعدالته.
وممن لا يروي إلا عن ثقة: عامر بن شراحيل الشعبي، والحسن البصري، ومحمد بن سيرين، وعروة بن الزبير، ويحيى بن أبي كثير، وابن أبي ذئب، وشعبة بن الحجاج، وإسماعيل بن أبي خالد، ومنصور بن المعتمر، ومالك ابن أنس، ويحيى بن سعيد القطان، وعبد الرحمن بن مهدي في آخر أمره، وغيرهم.
وقال أبو حاتم الرازي: محمد بن أبي رزين شيخ بصري لا أعرفه، لا أعلم من روى عنه غير سليمان بن حرب، وكان سليمان بن حرب قل أن يروي عن المشايخ، فإذا رأيته قد روى عن شيخ فاعلم أنه ثقة (3).
وقال الحميدي في وصفه للحديث الثابت: متصل غير مقطوع معروف الرجال، أو يكون حديثاً متصلاً حدثنيه ثقة معروف عن رجل جهلته وعرفه الذي حدثني عنه فيكون ثابتاً يعرفه من حدثنيه حتى يصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم (4). انتهى المراد منه.
وقال المعلمي: والحكم فيمن روى عنه أولئك المحتاطون أن يبحث عنه، فإن وجد أن الذي روى عنه قد جرحه تبين أن روايته عنه كانت على وجه الحكاية فلا تكون توثيقاً، وإن وجد غيره قد جرحه جرحاً أقوى مما تقتضيه روايته عنه ترجح الجرح، وإلا فظاهر روايته عنه التوثيق (5).انتهى.
قلت: وقد كانوا يكتبون أحاديث الضعفاء للمعرفة، ويتساهلون في التحديث أثناء المذاكرة فيحدثون عن كل من رووا عنه، ولذلك فتحمل تساهلهم في التحديث عن الكذابين وغيرهم، على التحديث أثناء المذاكرة أو للتعجب.
قال سفيان الثوري: إذا جاءت المذاكرة جئنا بكل، وإذا جاء التحصيل جئنا بمنصورين المعتمر (6).
¥