تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأحاديث القدسية من كلامه تعالى فتضاف إليه وهو الأغلب ونسبتها إليه حينئذ نسبة إنشاء لأنه المتكلم بها أولا، وقد تضاف إلى النبي- صلى الله عليه وسلم - لأنه المخبر بها عن الله تعالى بخلاف القرآن فإنه لا يضاف إلا إليه. فيقال: قال الله تعالى وفي القدسية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تعالى.

وقال فضيلة الشيخ الدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان في مقدمة كتابه الضياء اللامع "الأحاديث القدسية هي الأحاديث التي يرويها رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل لفظا ومعنى وهي قسم من السنة المطهرة لها ميزة نسبتها إلى الله عز وجل وأن الله جلّ وعلا تكلم بها وأوحاها إلى رسوله صلى الله عليه وسلم ليبلغها للناس أما بقية الأحاديث فلفظها من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ومعناها من عند الله عز وجل لأن السنة كلها وحي ... ولكن ما كان منها من الله لفظا ومعنى فهو الحديث القدسي، وما كان معناه من الله عز وجل دون لفظه فهو حديث نبوي غير قدسي، وقال أيضاً: في معرض الفرق بين الحديث القدسي وغير القدسي أن الحديث القدسي لفظه ومعناه من الله عز وجل يرويه عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بلفظه ومعناه والحديث غير القدسي معناه وحي من الله عز وجل ولفظه من كلام الرسول صلى الله عليه وسلم وإن تخصيصها بهذا الوصف- أي القدسي- يضفي عليها ميزة خاصة من بين سائر الأحاديث، لأن الحديث القدسي هو ما يرويه النبي- صلى الله عليه وسلم - عن ربه عز وجل فيكون المتكلم به هو الله عز وجل والراوي له هو النبي- صلى الله عليه وسلم- وكفاها بذلك شرفاً" [13].

واختار هذا التعريف د/ محمد عجاج الخطيب أيضاً [14].

فعلى هذا القول الذي يعتبر الأحاديث القدسية من كلام الله تعالى باللفظ والمعنى وهو الذي نرجحه ونراه صواباً- إن شاء الله تعالى- يرد بعض الشبهات وبسببها لجأ أصحاب القول الأول إلى التأويل وصرفها عن الحقيقة بدون أي مبرر وضرورة لذلك، وقد سبق فيما نقلت- عن بعضهم أنهم قالوا: "لو كان منزلا بلفظه لكان له من الحرمة

والقدسية في نظر الشرع ما للنظم القرآني إذ لا وجه للتفرقة بين لفظين منزلين من عند الله…" [15].

فالجواب عن هذه الشبهة كالآتي:

أولا نقول بأن هناك فرقاً كبيراً بين اللفظين المنزلين فالقرآن كلام الله المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته والمتحدي بأقصر سورة منه بخلاف الأحاديث القدسية حيث لم يقصد بها التحدي ولم يرد نص شرعي بتعبدها ولا بحرمتها مثل ما جاء في القرآن الكريم فلا يثبت لها شيء من ذلك لأنه لم يرد بخصوصها دليل بخلاف القرآن.

وهذا ما أقره أصحاب القول الأول عند تعريفهم لكلام الله "القرآن" حيث قالوا: بعد التعريف هذان القيدان: التعبد بالتلاوة والتحدي بالإتيان بسورة منه يخرج الأحاديث القدسية إذا اعتبرنا أنها منزلة بلفظها على النبي صلى الله عليه وسلم [16].

وحقاً أنزل القرآن الكريم كمعجزة باقية حتى تقوم الساعة فهو معجز في أسلوبه وصناعته ونقرأ التحدي بالإتيان بمثله في آيات عديدة بل بسورة مثله قال تعالى: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ الله إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} (البقرة آية: 23، 24).

فعجز البشرية أن يأتي بمثله وتعجز إلى الأبد وبذلك لزمتهم الحجة بخلاف الحديث القدسي فإنه لم يقصد منه ذلك.

فإليك أقوال بعض العلماء الذين يرون لفظ الحديث القدسي من الله تعالى والقرآن كذلك وبيان الفرق بينهما قال الكرماني شمس الدين محمد بن يوسف بن علي المتوفى 796 هـ في شرحه لصحيح البخاري في أول كتاب الصوم:

"القرآن لفظ معجز ومنزل بواسطة جبريل عليه السلام وهذا- أي القدسي- غير معجز وبدون الواسطة ومثله يسمى بالحديث القدسي والإلهي والرباني ... إلى أن قال وقد يفرق بأن الحديث القدسي ما يتعلق بتنزيه ذاته وصفاته الجلالية والجمالية" [17].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير