تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وذكر ابن حجر الهيثمي في شرح الأربعين النووية في شرح الحديث الرابع والعشرين [18] ما نصه فائدة يعم نفعها، ويعظم وقعها، في الفرق بين الوحي المتلو وهو القرآن والوحي المروي عنه صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل وهو ما ورد من الأحاديث الإِلهية وتسمى "القدسية" وهي أكثر من مائة حديث.

وقد جمعها بعضهم في جزء كبير وحديث أبي ذر هذا- الرابع والعشرين- من أجلها، ثم قال: اعلم أن الكلام المضاف إليه تعالى أقسام ثلاثة:

أولها: وهو أشرفها "القرآن" الكريم لتميزه عن البقية بإعجازه من أوجه كثيرة، وكونه معجزة باقية على ممر الدهر، محفوظة من التغيير والتبديل وبحرمة مسّه لمحدث وتلاوته لنحو الجنب، وروايته بالمعنى، وبتعينه في الصلاة وبتسميته قرآنا وبأن كل حرف منه بعشر حسنات، وبامتناع بيعه في رواية عند أحمد وكراهته عندنا وبتسمية الجملة منه آية وسورة، وغيره من بقية الكتب والأحاديث القدسية لا يثبت لها شيء من ذلك".

قلت: أما بالنسبة للأحاديث القدسية فبالاتفاق لا يثبت لها شيء من ذلك كما ذكر الهيثمي وأما بالنسبة لبقية الكتب السماوية فكذلك في بعض الأمور حيث حُرِّفت وغُّيرت ولم يُقصد بها التحدي والإعجاز حسب علمنا ولا التعبد بها في شريعتنا أما في شريعة من نزلت هذه الكتب عليهم قبل التبديل والتحريف فلا علم لنا بذلك حيث لم يرد نص عندنا يثبت ذلك أو ينفيه فلا نستطيع الجزم بعدم حرمة مسّها وعدم التعبد بتلاوتها عندهم كما لا نستطيع الجزم بإثبات العكس- والله تعالى أعلم.

ثم قال الهيثمي:

ثانيها: كتب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، قبل تغييرها وتبديلها.

ثالثها: بقية الأحاديث القدسية وهي ما نقل إلينا آحادا عنه صلى الله عليه وسلم مع إسناده لها عن ربه فهي من كلامه تعالى ... ".

فتبين لنا أن الأحاديث القدسية من كلام الله تعالى وليس للنبي صلى الله عليه وسلم إلا نقلها وروايتها بدليل إضافته هذه الأحاديث إلى الله تعالى فهي تسمى قدسية أو إلهية أو ربانية، فلو كان لفظها من عنده صلى الله عليه وسلم لما كان لها فضل اختصاص بالإضافة إليه تعالى دون سائر أحاديثه صلى الله عليه وسلم ويؤكد ذلك اشتمال هذه الأحاديث على ضمائر المتكلم في كثير منها الخاصة به تعالى أو الإضافة إليه تعالى مثل حديث أبي ذر المذكور وحديث يقول الله تعالى: "أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا دعاني" [19] وحديث "قال الله المتحابون في جلالي لهم منابر من نور" [20] وحديث "الحمى ناري أسلطها على عبدي المؤمن ... " [21] ونحوها كثير.

ولجأ أصحاب القول الأول إلى تأويل ما ذكرنا بقولهم "إذا كان لفظ الحديث القدسي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف نؤول قوله صلى الله عليه وسلم يقول الله تبارك وتعالى:

فقالوا: "إن المقصود نسبة مضمون الحديث لا نسبة ألفاظه وهذا التعبير كثير الاستعمال في اللغة العربية قديمها وحديثها، ثم مثلوا لذلك بأمثلة ومن أهمها قالوا قد ورد هذا الاستعمال في القرآن حيث حكى الله تبارك وتعالى عن نوح وموسى عليهما السلام وفرعون عليه اللعنة وغيرهم مضمون كلامهم بألفاظ غير ألفاظهم وبأسلوب غير أسلوبهم ونسب ذلك إليهم…" [22].

فأقول في رد هذا التأويل بأن ما ذكرتم مقبول لو ثبت فهم هذا المراد من أحد من سلف هذه الأمة من الأئمة المشهورين في الحديث وغيره ولكنه لم يثبت عنهم إلا سوق مثل هذه الأحاديث القدسية وغيرها من أحاديث الصفات وإجرائها كما وردت.

وثانيا ما هي الحاجة التي تدعو إلى هذا التأويل، بخلاف ما مثلوا به من القصص والأحكام التي أنزلها الله تعالى في القرآن الكريم بلسان عربي مبين من قصص الأمم السابقة وأنبيائهم- التي هي نزلت بلغتهم ودارت بينهم- حيث علمنا علم اليقين بأن الله تعالى نقلها لنا بكلامه ولفظه لأن لغتهم غير لغتنا والحاجة قائمة في ضرورة فهمنا هذه القصص، بخلاف الأحاديث القدسية فإن أصلها باللغة العربية وليس هناك ما يجعلنا أن نلجأ إلى هذا التأويل ولا دليل من الشرع على هذا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير