تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إن الصلة بين نسخ البخاري، وبين رواياته صلة وثيقة، والذي يبدو لنا أن البخاري رحمه الله تعالى كانت له نسخه ترك فيها بعض البياضات، ولعل مرد ذلك أنه كان يؤلف كتبه أكثر من مرة، وهذا من عنايته ودقته في التصنيف، فإنه ما زال ينقح ويراجع ما يكتبه ويرويه حتى يطمئن قلبه إلى الوضع الأخير لكتبه ... ونظراً للظروف التي ألمت به، فجعلته ينتقل في البلدان، حتى أدركته المنية، وهو بعيدٌ عن مكتبته ومصادره، لم يتسع له المجال لإتمام هذه البياضات.

لذا فإن الصلة بين نُسخة الإمام البخاري لكتابه ((الجامع الصحيح))، وبين رواياته المختلفة بقيت صلة متلازمة لا يمكن الفصل بينهما.

قال المستملي: انتسخت كتاب البخاري من أصله، كما عند ابن يوسف، فرأيته لم يتم بعد، وقد بقيت عليه مواضع مبيّضة كثيرة، منها: تراجم لم يثبت بعدها شيئاً، ومنها: أحاديث لم يترجم عليها، فأضفنا بعض ذلك إلى بعض (1).

وقال الإمام أبو سليمان الخطابي: وقد سمعنا معظم هذا الكتاب من رواية إبراهيم بن معقل النسفي، حدثناه خَلفُ بن محمد الخيام، قال: حدثنا إبراهيم بن معقل، عنه.

سمعنا سائر الكتاب إلا احاديث من آخره من طريق: محمد بن يوسف الفربري، حدثنيه محمد بن خالد بن الحسن، قال: حدثنا الفربري، عنه.

ونحن نبين مواضع اختلاف الرواية في تلك الأحاديث إذا انتهينا إليها إن شاء الله (2).

وقال الشيخ محمد أنور الكشميري، صاحب كتاب ((فيض الباري على صحيح البخاري))، وهو يتحدث عن نُسخ ((صحيح البخاري)):

ونسخه تسعة عشر: إحداها لكريمة بنت أحمد، وهي امرأة محدثة، وثلاثة من أصحاب النُسخ حنفيون: إبراهيم بن معقل النسفي، وهو تلميذ البخاري بلا واسطة، وحماد بن شاكر، والحافظ شمس الدين الصَّغانّي، أصله من خراسان. وأولاها بالاعتبار عندي نسخة الصَّغانّي، لأنه يقول: أنه نقلها من النسخة التي قُرأت على المصنف رحمه الله تعالى، لكن الحافظ - ابن حجر رحمه الله تعالى - لا يرى فيها مزية، ويعامل معها مع سائر النُّسخ، وأما الآن فينبغي أن يعتمد على نسخة القسطلاني لأنه اعتمد على نسخه الحافظ شرف الدين اليونينيِّ جهبذة زمانه، وحافظ أوانه (3)، لأن السلطان أراد أن يعرب البخاري، وجمع له أفاضل عصره فجاء اليونيني فصحح متون الأحاديث، وابن مالك صاحب الألفية فأعربها.

قال القسطلاني: فوجدت النصف الأول من نُسخه اليونيني، فاعتمدت عليها في شرحي، ولم أجد النصف الآخر حتى وجدته أيضاً بعد ثلاثين سنة فاعتمدت عليها في النصف الآخر.

ثم أعلم أنه قد يتغير المراد باختلاف النسخ ولعلّ وجهه ان الناس لما أخذوا عن المصنف رحمه الله تعالى أخذوا أصل الحديث، وجعلوا الخصوصيات هدراً، وحسبوه كالواجب المخيِّر، فرووه كيفما رأوا، والله تعالى أعلم (4).

نُسخة الإمام شرف الدين اليونينيّ الحنبلي:

تعد نسخة الإمام الحافظ، محدث الشام شرف الدين أبي الحسين عليّ بن أحمد بن عبد الله بن عيسى اليونيني المعروف بالبعليّ، الحنبلي (ت701هـ) (5)، من أحسن النسخ وأدقها، قال الذهبي، استنسخ ((صحيح البخاري)) وحرره، حدثني أنه قابله في سنة واحدة واسمعه إحدى عشرة مرة, وقد ضبط رواية الجامع الصحيح، وقابل أصله الموقوف بمدرسة آقبغا آص بسويقة العزيّ خارج باب زويلة من القاهرة المعزية، بأصل مسموع على الحافظ أبي ذرِّ الهروي، وبأصل مسموع على الأصيلي، وبأصل الحافظ مؤرخ الشام أبي القاسم ابن عساكر، وبأصل مسموع عن أبي الوقت، وذلك بحضرة الإمام اللغوي النحوي جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله بن عبد الله ابن مالك الطِّائيِّ الجيِّانيِّ الشِّافعيِّ (ت672هـ)، صاحب الألفية في النحو (6)، وقد حرر الإمام اليونيني نسخته أحسن تحرير، وكان ابن مالك حضر المقابلة، وكان إذا مرِّ بلفظ يتراءىله أنه مخالف لقوانين العربية، قال لليونيني: هل الرواية فيه كذلك؟ فإن أجاب بأنه منها شرع ابن مالك في توجيهها حسب إمكانه، وقد طبعت هذه الطبعة في مصر.

ويلاحظ أن هذه النسخة على الرغم من جودتها، فإنها لم تستوعب بقية الروايات الأخرى، وبالتالي فإنها لا يمكن أن تُغني عن ملاحظات وتوجيهات الإمام ابن حجر في ((فتح الباري))، والتي تطرقت إلى الروايات المختلفة، وأوهام الرواة (7).

الحواشي:

(1).وانظر بقية الكلام وزيادة بعض النسخ على بعض في أثناء الحديث عن "روايات الجامع الصحيح".

(2).أعلام الحديث 1/ 105 - 156.

(3) وقد ذكر القسطلاني أنه وقف على فروع مقابلة على هذا الأصل الأصيل، ومن أجلّها الفرع الجليل الذي لعله فاق أصله وهو الفرع المنسوب للإمام المحدث شمس الدين محمد بن احمد الغزولي المقابل على فرعي وقف مدرسة الحاج مالك واصل اليونيني المذكور غير مرة، إرشاد الساري 1/ 41.

(4).ترجمته في طبقات الشافعية 5/ 28، فوات الوفيات 2/ 227، نفح الطيب 7/ 63.

(5).إرشاد الساري 1/ 40، فيض الباري 1/ 37 - 38.

(6).ترجمته في: المعجم الكبير للذهبي 2/ 542، المعجم المختص 168،ذيل تاريخ الإسلام للذهبي 17، ذيل طبقات الحنابلة 2/ 345، ذيل التقييد 2/ 210.

(7).سيأتي الحديث عنها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير