ـ[محمد الأمين]ــــــــ[17 - 03 - 04, 11:58 ص]ـ
الأخ الفاضل محمد بن علي المصري وفقه الله
إعلم أن الحديث النبوي عند الأئمة المتقدمين ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
1 - حديث صحيح ثبت أن رسول الله (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) قد قاله. فهذا حجة ولا ريب.
2 - حديث ضعيف ثبت أن رسول الله (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) لم يقله. فهذا لا يجوز أن يكون حجة.
فالحديث الضعيف لا يُعمل به مُطلقاً: لا في الفضائل والمستحبّات ولا في غيرهما. ذلك لأن الحديث الضعيف إنما يفيد الظن. والله –عز وجل– قد ذَمّه في غير موضع من كتابه فقال: {إن الظن لا يُغني من الحقّ شيئاً}. وقال: {إن يتبعون إلا الظن}. وقد قال رسول الله (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -): «إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث». متفق عليه.
قال الشيخ الألباني في مقدمة "الترغيب والترهيب": «وجملة القول: إننا ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، أن يَدَعوا العمل بالأحاديث الضعيفة مطلقاً، وأن يوجهوا همتهم إلى العمل بما ثبت منها عن (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -). ففيها ما يغني عن الضعيفة. وفي ذلك منجاةٌ من الوقوع في الكذب على رسول الله (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -). والذين يُخالِفونَ في هذا، لا بُدّ وأنهم واقعون فيما ذكرنا من الكذب. لأنهم يعملون بكل ما هبّ ودبّ من الحديث. وقد أشار (- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -) إلى هذا بقوله: «كفى بالمرء كَذِباً أن يحدّث بكلّ ما سمِع». أخرجه مسلم. وعليه نقول: كفى بالمرء ضلالاً أن يعمل بكل ما سمع!».
3 - حديث توقف المحدِّث في الحكم عليه. فتجده متردداً في الحكم عليه. ففي الاحتجاج بهذا الحديث خلاف. وأحمد يحتج بمثل هذا.
والصواب أن الضعيف الذي يحتجون به أو يستأنسون به أو يقدمونه على الرأي، هو الحديث الذي لم يتبيّن صوابه ولا خطؤه، وذلك لاحتمال أن يكون قولاً للنبي (ص). وقد يطلقون عليه بالضعف أو يطلق عليه المتأخرون بالحسن. وأما ما تبين فيه الخطأ، وثبت أنه قول صحابي أو تابعي وليس قولاً للنبي (ص)، فلا يحتج به، ولا مجال لتقديمه على رأيٍ آخر، لتساويهما في الأمر.
مع العلم أنه ثبت من خلال الاستقراء أن هذه الأحاديث التي يحتجون بها، هي عند المتأخرين من قبيل الحديث الحسن، هذا إذا لم يأت خلافها. والمتأخرون يحتجون بهذا مطلقاً ويتوسعون فيه حتى لو عارضه حديثٌ صحيح!
قال الأثرم: سُئِلَ أبو عبد الله (أحمد بن حنبل) عن عَمْرِو بن شُعَيْب، فقال: «أنا أكتب حديثه وربما احتججنا به، وربما وجس في القلب منه شيء». وقال الأثرم (كما في شرح العلل ص188): «كان أبو عبد الله، ربما كان الحديث عن النبي (ص)، وفي إسناده شيء فيأخذ به إذا لم يجئ خلافه أثبت منه، مثل حديث عمرو بن شعيب وإبراهيم الهجري. وربما أخذ بالحديث المرسل إذا لم يجيء خلافه». أما المتأخرون فيحسّنون حديث عمرو بن شعيب ويحتجون به مطلقاً.
وفي ضوء هذه النصوص يمكن القول بأن احتجاجهم بتلك الأحاديث الضعيفة التي لم يتبين فيها الخطأ كان على سبيل الاحتياط لاحتمالها أن تكون مما قاله النبي (ص)، وليس احتجاجهم بها كما يحتجون بجميع أنواع الأحاديث الصحيحة وما يقاربها.