هما الفرنسيان (لانجلوا ... وسينوبوس) في كتابهما: النقد
التاريخي ..
والواقع أن موضوع الكتاب والآلية تختلف تماما عن موضوع وآلية
النقد عند المحدثين، ولكن كان أول اختراق حصل حينما أشار
الأستاذ اسد رستم (وهو نصراني) إلى أن المحدثين سبقوا لانجلوا
وسينوبوس إلى طريقة النقد التاريخي، وكلام الفرنسيان منصب
حول نقد المتون ولم يعرفا نقد الإسناد عند المحدثين المسلمين،
وقد اشارا (لانجلوا وسينوبوس) إلى طريقة العرب في النقد (يعنيان)
المحدثين، ولكن ما أشارا إليه كان بعيدا البعد كله عن منهج
المحدثين، وكانت هذه الإشارة من أسد رستم بمثابة فتح الباب الذي
دخل منه كثير من الباحثين الذي عقدوا مقارنات وموازنات بين
المنهج الغربي ومنهج المحدثين حتى إن بعض الباحثين المسلمين
(وهو الأستاذ عثمان موافي) خلط في كتابه منهج النقد التاريخي
الإسلامي والمنهج الأوروبي بين منهج المحدثين في نقد الأسناد ومنهج
المعتزلة العقلي في نقد المتون ... فاجتمع مع الخلط بين
المنهج الغربي ومنهج المحدثين خلطا مع منهج المعتزلة فاتسع
الخرق على الراتق ...
هذه البحوث وغيرها انتشرت في أوائل القرن العشرين الميلادي،وهي
الفترة التي شهدت زخما فكريا واسعا حول التراث الإسلامي وكان جل
المتحدثين فيه من أصحاب الفكر الغربي أو المتاثرين به، ذلك
أن المحدثين المسلمين في تلك الآونة كانوا بمعزل عن تلك المعارك
الفكرية ...
حصل ذلك الاختراق وتم التسليم به .. وهو أن نقد المتون موجود عند
المسلمين صدا لنقد الغربيين أن المسلمين ما عرفوا إلى نقد الإسناد
وتطاول الأمر حتى تغلغل في أدبيات كثير من الباحثين المسلمين
وغدا مسلمة ينطق بها كل باحث كأنها يتحدث عن بديهة ...
ويجب أن يلاحظ كل الأخوة القراء لما أكتب الآن أن الكلام عن (المنهج)
لا يعتبر الأمثلة العابرة، ولا يقيم وزنا للنماذج المعدودة، المنهج
يسرد ويستقريء كل الأفراد، والتي قد يكون بعضها شاذا لا يمكن
اعتباره منهجا أو خطا أصيلا ... ومثل هذا يجب طرحه وعدم اعتباره
من المنهج (والكلام في المنهج يطول ونكتفي منه بهذه الإشارة التي
سيفهمها كل باحث متخصص).
وبناء على ما تقدم لنا أن نتساءل الآن:
هل عرف المحدثون المتقدمون ما يسمى (بنقد المتون)؟؟؟
ولو كان موجودا فما درجة وجوده؟؟؟
ولو كانت له درجة فما هو هذا المنهج (نقد المتون عند المحدثين)
وما هي آليته، وما هي ضوابطه؟؟؟
كل هذا إلى الآن لم يجب عليه أحد، ومن تكلم فيه إنما تكلم عن
أمثلة ونماذج لا تصلح أن تعبر عن استقراء واسع وكامل لمنهج المحدثين
في النقد ...
ولكنني ههنا أستطيع أن ألخص نظرتي وبحثي حول قضية (نقد المتون)
أنه أجنبي عن منهج المحدثين في النقد ..
وأن المحدثين لم ينقدوا المتون (بالمعنى المتعارف عليه الآن).
وما أورده الأخوة من أمثلة لا يسمى عند المحدثين بنقد المتون على
الحقيقة ... بل مرده إلى نقد الأسانيد، وهو ما أشار إليه الأخوة
حين قالوا إن الشيخ ابن عثيمين يقصد بالأصول الأحاديث المتواترة
المشهورة المستفيضة، وهذا هو الأصل الذي كان يبني عليه الصحابة
والتابعون (أخي أبا سلمان) نقدهم لما يسمى بالمتن ..
فالمتن لو خالف غيره لم تكن مجرد المخالفة هي الموهنة للمتن،
ولكن كون المتون الأخرى متونا صحيحة، أسانيدها نظيفة قوية متواترة
أكثر من ذلك المتن الواحد ذي الإسناد الواحد، وهذه الموازنة هي
عين طريقة المحدثين في نقد الأسانيد وهي الموازنة بين الأسانيد،
فتضعيف حديث النهي عن صوم يوم السبت مرده أن الأحاديث التي ترخص
الصوم أكثر وأشهر وأصح إسنادا وكان هناك مغمز في بعض رواة حديث
النهي، فخلص المحدثون النقاد إلى أن ثمة خطأ في المتن مرده إلى
احتمال صدور الخطأ من عند الراوي (وهو مبحث إسنادي محض)، ولا يمكن
تشبيهه بقضية نقد المتن عند الغربيين الذي هو مبني على الموازنة
العقلية في الغالب الأعم ...
وللحديث بقية ...
ـ[عبد]ــــــــ[30 - 03 - 05, 08:30 ص]ـ
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
إن ما ذكره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله هو بالفعل من منهج المتقدمين لأنه يتعلق بمسألة الانفراد والمخالفة وقد اعتنى بها المتقدمون وأهملها المعاصرون بشكل كبير. وقد كان المتقدمون يطلقون لفظ "الغريب" على الحديث الذي ينفرد به الثقة عن أحاديث باقي الثقات التي تشترك في لفظ أو معنى واحد ومتقارب وقد كان الامام أحمد رحمه الله والدارقطني والأئمة الكبار من المتقدمين يحذرون من هذه الغرائب حتى ولو صح سندها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم. كما أن هنا فائدة أخرى وهي أن في هذا دلالة على عناية المتقدمين بالمتن و بالسند معاً وفي هذا قطع للطريق أما شبه المستشرقين الذين يزعمون فيها عناية المحدثين بالسند وإهمالهم للمتون وفقهها. إن العناية بالمتن لا تقل اهمية عن العناية بالسند لأنه بالمتن تعرف الغرابة سواء كانت شذوذا أو نكارة على اصطلاح المتأخرين. والله أعلم.
¥