(رأيتُ أحمد بن حنبل، وعلي بن عبد الله، وإسحاق بن إبراهيم، والحميدي: يحتجون بحديث عمرو بن شعيب) وانتهت رواية آدم.
وقال ابن فارس: (عن أبيه، عن جده) وانتهت روايته.
وزاد ابن سهل، وروايته أكمل، فقال: (عن أبيه).
وزاد، قال أبو عبد الله: (فمن الناس بعدهم؟). انتهى.
(تنبيه: ابن سهل، هو: أبو أحمد محمد بن سليمان بن فارس الدلال، وقد روى عنه التاريخ الكبير جماعة. كما أن للتاريخ رواة كثيرين، قال الخطيب البغدادي في الموضح (1/ 101) تعليقا على كلام للبخاري: (ولم أجد هذا الكلام في رواية أحد من أصحاب البخاري الذين رووا عنه التاريخ، إلا في رواية أبي أحمد بن فارس، ولا رأيته عن ابن فارس إلا من رواية علي بن إبراهيم المستملي خاصة).
التعليق على هذه النصوص:
أولا: أوردنا أولا كلام الإمام البخاري في تاريخه، وعرفنا نصه من خلال كتابه.
ثانيا: أوردنا كلام الترمذي فيما نقله عن شيخه وأستاذه البخاري، وهو مطابقٌ تماما، كما أورده البخاري في تاريخه الكبير، بدون أي زيادة ولا نقصان.
ثالثاً: أوردنا هذا النص عن المزي، وابن الملقن، وابن حجر، في كتبهم وليس عند أي أحد منهم أن هذا الكلام بهذه الزيادة رواها الترمذي عن البخاري، بل وليس للترمذي ذكر في هذا النص عندهم، ونصهم لمن يرى بعين البصيرة واضح تماماً.
رابعاً: أوردنا هذا النص عن الذهبي من خلال كتابيه: (السير، وميزان) وهو الوحيد الذي أتت عنده هذه الزيادة: (قال الترمذي عن البخاري).
خامساً: أوردنا هذا النص عن ابن عساكر بإسناده إلى الإمام البخاري، وليس في إسناد ابن عساكر ذكر الترمذي بتاتاً، وقد فصّله ابن عساكر بكل دقّة الزيادات التي في هذه الرواية، وعمن جاءت هذه الزيادة.
سادسا: أكد لنا ابن عساكر بأن الزيادة، وهي قوله: (فمن الناس بعدهم) من زيادة ابن سهل، وقال عن روايته: (وهو أكمل). انظر للمعرفة عن رواة التاريخ الكبير للبخاري كتاب فضيلة الشيخ الدكتور عادل عبد الشكور الزرقي: تاريخ البخاري، ص: 10 – 20).
سادساً: أن من أهم مصادر المزي في كتابه تهذيب الكمال: (تاريخ دمشق، لابن عساكر) وقد نقل لنا النص بكل أمانة، بدون ذكر الترمذي لا من قريب ولا من بعيد.
سابعاً: عرفنا أن الذهبي هو الذي انفرد بنقل هذه الزيادة عن الترمذي، ولم يذكر لنا من أين أتى بهذه الزيادة التي لم تأت بها الآخرون، ولعله اعتمد على ذاكرته في أن مثل هذه الأقوال في غالبها تكون من رواية الترمذي، ولم يراجع كتب الترمذي ليتأكد من صحة هذا النص، فخانته الذاكرة فوقع في الوهم في إيهامه الترمذي.
سابعا: أن الشيخ عبد الرحمن السديس كان يقصد مناصرة أخيه زياد تكلة، وقد سبق له المناصرة وتأييده قبل ذلك، فأخرجه من الحرج بذكر قول الصبيحي، وزاده ثقة بذكر كلام الذهبي في سيره، ولو كان مهتما بمنافحته عن الإمام الترمذي، لم أكن أتوقع أن يقع في هذا الوهم الخطير.
ثامنا: أن المرجع في الخلاف يكون كتاب الشيخ، وليس ما ينقل عنه بالواسطة، فأصاب الشيخ عبد الرحمن السديس في شقه الأول، من توثيق كلام البخاري، ونسي أن يتأكد من نص الترمذي في كتبه، ولو كان وثق كلام الترمذي من كتبه، لما وقع في هذا الوهم، كما جانب الذهبي الصواب في ذلك.
تاسعا: أن جلّ شبابنا إن لم يكن كلهم يتتبعون عثرات العلماء، ويشفون صدورهم حينما يعثرون لمن قبلهم كلاما في توهيم أحد العلماء، فيتخذون من ذلك وسيلة لاشتهار أن هذا العالم: (وهم)، أو (أخطأ)، حتى يقال له: أن فلانا يعرف، أو يفهم، أو يستطيع أن يجد خطأ لأي عالم إذا أراد، لأنه يدل على تبحره في تتبع عثرات العلماء، وأنه أصبح من المتخصصين في هذا الفن، ومن أراد الشهرة عن غير طريقها فليقتد بمن بال في بئر زمزم.
وإلا هذا الكلام في حق الترمذي صدر عن عزيزي محمد زياد تكلة من باب الدردشة، حيث قال: (سمعتُ بعض مشايخنا المحققين يستغرب بعض النقول (للترمذي عن البخاري)، ويقع للإنسان في التخريج المتوسع ما يؤيد ذلك) انتهى كلامه.
وجاء فضيلة الشيخ عبد الرحمن السديس أن يبين لنا أن هذا الكلام أصلا للشيخ الصبيحي، ليخفف الضغط على عزيزي تكلة، حيث قال الصبيحي في كتابه: (النكت الجياد، ص: 382) حيث قال: (وسترى شيئا من النظر في نقولات الترمذي عن البخاري في القسم الخاص بالأئمة والمصنفين من هذا الكتاب إن شاء الله تعالى) انتهى كلامه.
¥