هكذا جزم الطبراني بأن (أبا يحيى) في الإسناد المذكور هو (معبد بن سيرين)، ولكن الحديث قد ورد من طريق (الطيالسي) كذلك، وقال فيه: (عن أَبِي يَحْيَى الْمُعَرْقَبِ) وهو مصدع، هكذا أخرجه الآجري في (ذم اللواط) قال:
(16) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي دَاوُدَ, قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ النَّضْرِ الْأَصْبَهَانِيُّ, قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ, عَنْ بِشْرِ بْنِ الْمُفَضَّلِ الْبَجَلِيِّ, عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ, عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ, عَنْ [أَبِي يَحْيَى الْمُعَرْقَبِ] عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ, قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ... وذكر الحديث.
وأما مثال الأسلوب الثاني للتعيين الخطأ
من خلال دلالة واضحة لتصرف بعض الأئمة في تصانيفهم
فهو يتضح مما ذُكر في مقدمة تحقيق مسند الروياني كما يلي:
1 ـ أورد (الروياني) حديثين في مسند (أبي أمامة الباهلي صدي بن عجلان)، بينما هما من مسند (أبي أمامة الحارثي إياس بن ثعلبة).
2 ـ كما أورد (الروياني) حديثاً في مسند (أبي برزة الأسلمي) فقال:
(عن ليث عن أبي برزة الأسلمي عن أبيه أن قوماً) بينما الصواب: (عن ليث عن أبي بردة الأشعري عن أبيه) وهو أبو موسى الأشعري عبد الله بن قيس، فهذا الحديث من مسنده.
3 ـ كما أورد (الروياني) ثلاثة أحاديث ذكرها جميعاً تحت ترجمة (كيسان مولى النبي ص) وهي في الحقيقة ثلاثة أحاديث مختلفة يرويها ثلاثة من الصحابة (بغض النظر عن ثبوت الصحبة لبعضهم أم لا)، وكل منهم يسمى (كيسان).
الأول: هو كيسان مولى النبي صلى الله عليه وسلم، وهو الذي يروي حديث: (لا تحل الصدقة لآل محمد).
والثاني: هو كيسان أبو عبد الرحمن وهو كيسان بن جرير أبو عبد الرحمن الأموي المدني، وهو الذي يروي حديث: (صلاة النبي صلى الله عليه وسلم الظهر والعصر عند بئر العليا)
والثالث: هو كيسان أبو نافع الدمشقي، وهو الذي يروي حديث: تحريم الخمر).
وقد فرق العلماء بين هؤلاء الثلاثة ولم أر من جمع بينهم، والله أعلم.
4 ـ كما أورد (الروياني) حديث (حميد بن هلال عن ثلاثة رهط منهم أبو الدهماء وأبو قتادة قالوا: كنا نمر بهشام بن عامر ثم نمر بعمران بن حصين ... ) الحديث.
ذكره الروياني في مسند (عمران بن حصين)، وحقه أن يوضع في مسند (هشام بن عامر) كما صنع الإمام أحمد وغيره، والله تعالى أعلم.
فهذه الأمثلة السابقة كلها تمثل أنماطاً من التعيين الخطأ للرواة بغض النظر عن أن منشأ التعيين الخطأ قد يكون أحيانا وهماً في الرواية، ولكن إذا أردت صورة أوضح لأوهام المصنفين في الرواية فإليك ما وقع في المعجم الأوسط للطبراني مقارنة بروايته لنفس الحديث في المعجم الكبير.
قال الطبراني في الأوسط:
(3225) حَدَّثَنَا بَكْرٌ قَالَ: نا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ قَالَ: نا [الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ] قَالَ: نا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَعِيدٍ التُّجِيبِيُّ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ مَاتَ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ، أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ " لَمْ يَرْوِ هَذَا الْحَدِيثَ عَنْ مُعَاوِيَةَ إِلَّا الْوَلِيدُ.
بينما قال الطبراني في الكبير:
(13638) حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ الْعَسْقَلَانِيُّ، قَالَ: ثنا [بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ سَعِيدٍ التُّجِيبِيُّ، عَنْ أَبِي قَبِيلٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " مَنْ مَاتَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةَ الْجُمُعَةِ وُقِيَ فِتْنَةَ الْقَبْرِ ".
إن طرق الحديث كلها ليس فيها (الوليد بن مسلم) وإنما فيها (بقية بن الوليد)، كما أن إسناد الطبراني للحديث في الأوسط هو نفسه الذي في الكبير، مما يدل على أن الوهم من عند الحافظ الطبراني رحمه الله
¥