فالقضية الأساسية: أنه لابد أن تكون هناك قرينة بشكل ما للتعيين إما في ذات الإسناد أو من خارجه كدلالة التخريج، أو قواعد عامة يركن إليها الأئمة الذين أهملوا تمييز الراوي اعتماداً عليها وعلى كون ذلك معروفاً لدى أهل الشأن، وهو ما ينبغي إعماله في كل حال لا سيما الرواة المشتركين في الشيوخ والتلاميذ كهذه الحال، والله تعالى أعلم.
ونعود فنذكر بقول الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ:
(إذا أطلق اسم شيخه حمل على من هو أشهر بصحبته وروايته عنه أكثر، وهذه قاعدة مطردة عند المحدثين في مثل هذا).
ونقول وبالله التوفيق:
هذه القاعدة يمكن إجراؤها أيضاً لتمييز من اسمه (عطاء) عن (ابن عباس).
فابن عباس يروي عنه ممن اسمه (عطاء) كل من:
1 ـ عطاء بن أبي رباح
2 ـ عطاء بن أبي مسلم الخراسانى
3 ـ عطاء بن يسار
4 ـ عطاء أبو الحسن السوائي
والإشكال يقع في أكثر صوره:
ـ إذا روى ابن جريج عن (عطاء) عن ابن عباس.
ـ أو إذا روى الأوزاعي عن (عطاء) عن ابن عباس.
فابن جريج يروي عن:
1 ـ عطاء بن أبي رباح
2 ـ عطاء بن أبي مسلم الخراسانى
3 ـ عطاء بن السائب
والأوزاعي يروي عن:
1 ـ عطاء بن أبي رباح
2 ـ عطاء بن أبي مسلم الخراسانى
3 ـ عطاء بن صهيب أبو النجاشى
والمتبادر عموما أن (عطاء) هو (ابن أبي رباح) وذلك لأنه الأشهر.
وابن جريج وكذلك الأوزاعي لم يرويا عن: (عطاء بن يسار) ولا عن (عطاء أبي الحسن السوائي).
ويخرج كذلك من شيوخ ابن جريج والأوزاعي كل من: (عطاء بن السائب) و (عطاء بن صهيب أبي النجاشى) لأنهما لم يرويا عن ابن عباس.
وإذن فيبقى الأمر منحصراًً بين:
(عطاء بن أبي رباح) و (عطاء بن أبي مسلم الخراسانى)
فإذا وقع في الإسناد (عطاء) هكذا مهمل، وصرح بالتحديث عن ابن عباس، يخرج (عطاء بن أبي مسلم الخراسانى) لأنه لم يسمع من ابن عباس كما صرح المزي وغيره.
وأما إذا لم يصرح بالتحديث فههنا نكتة لطيفة وهي أن ابن جريج مدلس بينما الأوزاعي ليس كذلك، ومن أنواع التدليس إبهام الشيوخ على نحو لا يتبين إلا للنقاد وأهل الفهم، وهنا ربما يبهم ابن جريج (عطاء) الخراساني عن (ابن عباس) فيتوهم البعض أنه (ابن أبي رباح)، وإذن فالتخريج ضروري في مثل هذه المواطن.
وأما الأوزاعي فلا يُبهم في مثل هذه المواطن لأنه يعلم أن (عطاء) الخراساني لم يسمع من ابن (ابن عباس) فالأغلب أن يفصح في بعض طرق الحديث عن (عطاء) المقصود، والله أعلم.
ولابد من التذكير أن الكلام السابق متعلق برواية من اسمه (عطاء) عن (ابن عباس).
وأما رواية الأقوال والآثار الفقهية عن (ابن جريج عن عطاء) أو (الأوزاعي عن عطاء) فالأصل والاستقراء يدلان على أنه (عطاء بن أبي رباح) ما لم يدل التخريج على خلاف ذلك.
ونكرر: إن النقطة المهمة ههنا: هي أن الأصل في تعيين الأسانيد أنه توجد قرينة للتعيين بشكل ما سواء في داخل الإسناد أو من خارج الإسناد كاستقراء عام أو انطباع يستفاد من صنيع الأئمة وغير ذلك، وأبسط هذه القرائن شهرة الراوي في كل طبقة، فإذا عجز التخريج عن البيان والتمييز، وإذا انتفت القرائن الأقوى، يبقى المفزع إلى هذه القرينة الأخيرة وهي شهرة الراوي في هذه الطبقة بحيث يصبح هو المتبادر عند الإطلاق أو الإهمال، والله أعلم.
وكما ذكر ابن حجر هذه القاعدة العامة، فقد كان المزي في تهذيب الكمال والذهبي في السير أكثر تحديداً بالنسبة لتمييز رواية الحمادين، والسفيانين.
أولاً: (تمييز رواية الحمادين)
فقد اشترك الحمادان في الرواية عن كثير من المشايخ، وروى عنهما جميعا جماعة من المحدثين؛ فربما روى الرجل منهم عن حماد لم ينسبه، فلا يعرف أي الحمادين هو إلا بقرينة؛ فإن عري السند من القرائن - وذلك قليل - لم نقطع بأنه ابن زيد ولا أنه ابن سلمة، بل نتردد أو نقدره ابن سلمة، ونقول: هذا الحديث على شرط مسلم؛ إذ مسلم قد احتج بهما جميعا.
فمن شيوخهما معا:
أنس بن سيرين.
وأيوب.
والأزرق بن قيس.
وإسحاق بن سويد.
وبرد بن سنان.
وبشر بن حرب.
وبهز بن حكيم.
وثابت.
والجعد أبو عثمان.
وحميد الطويل.
وخالد الحذاء.
وداود بن أبي هند.
والجريري.
وشعيب بن الحبحاب.
وعاصم بن أبي النجود.
وابن عون.
وعبيد الله بن أبي بكر بن أنس.
وعبيد الله بن عمر.
وعطاء بن السائب.
¥