[وذكر أبي مرة أن يزيد الرشك يروي عن خالد الأثبج] ثم يعلق ابن أبي حاتم معتذرا عن أنه لم أو لن يفرد ترجمة لـ (خالد الأثبج) فيقول: (فلا أدري هما واحد أو اثنان)، وبالطبع يحتمل أن يكون هذا من كلام أبي حاتم نفسه، وأن يكون توارد إلى ذهنه هذا الراوي - أي (خالد الأثبج) - عند الكلام على ترجمة خالد الأحدب.
وعلى كل حال فالظاهر أنهما وقفا على قول البخاري في ترجمة نفس الراوي من التاريخ الكبير (3/ 160): يقول: [خالد بن عبد الله بن محرز الأحدب الأثبج المازني البصري بن أخي صفوان بن محرز، روى عنه أبو بشر وعاصم ويزيد الرشك والتيمي].
والمعروف أن ابن أبي حاتم قد اعتمد على نسخة من التاريخ الكبير في القراءة على أبيه تخالف في بعض المواضع ما استقر عليه البخاري أخيرا على ما حرره العلامة المعلمي رحمه الله، ورغم ذلك فذكر البخاري لرواية (يزيد الرشك) ونسبة (الأثبج) تجعل الاحتمال أن قائل عبارة: (فلا أدري هما واحد أو اثنان) هو أبو حاتم نفسه، والله أعلم.
وربما يجرنا الاستطراد فنشير من طرف خفي إلى أنه ربما في بعض الأحوال قد يستسيغ ابن أبي حاتم لنفسه أن يفسر قول أبيه سواء في مراده من بعض ألفاظ الجرح والتعديل أو غير ذلك من الكلام على الراوي، ربما بعبارة خفية لا توضح أنه يفسر كلام أبيه، بل تفهم على أنه يحكيه، والفارق بينهما واضح، ولن يكون الابن مهما كان كالأب في العلم والفهم واستعمال العبارات التي تخالج النفس والعقل قبل أن تطرأ على اللسان لتحكي تصوره هو - بل ما يستحضره ساعة الكلام على الراوي من أمره - وهذا ما لا يتشارك فيه اثنان أبدا، وكيف لا وهذا الكتاب - أعني الجرح والتعديل ـ بالإضافة إلى كتاب العلل عامران بالنماذج التي تبين اختلاف وجهات النظر أو بعض الألفاظ على نحو ما بين الرازيين أبي حاتم وأبي زرعة وهما القرينان في كل شيء، رحمهما الله.
وإذن فلن يكون تصرف الابن أو كلامه - مهما تشرب منهج أبيه - كتصريح أبيه أو عبارته، والله أعلم.
وهذا يعيد إلى الذهن كيف أن ابن أبي حاتم كان يقرأ التراجم على أبيه فيلقي عليه ما يستحضره.
ولا شك أن ابن أبي حاتم قد أعاد صياغة الكتاب غير مرة، لا سيما بعد وفاة أبيه، وقد تصرف في بعض التراجم وصياغة اسم الراوي - الذي كان البخاري يكاد يختزله في كتابه اختزالا - وزاد ابن أبي حاتم ضمنه أقوال ابن معين وأحمد وغيرهما، وبعض ذلك في ظني إنما كان بعد وفاة أبيه، والله أعلم.
وبمناسبة اختزال البخاري في غير قليل من الأحوال لاسم الراوي، فإن هذا هو المدخل الذي قد يدخل على بعض تراجم كتاب الجرح والتعديل في إدخال شيء من اسم الراوي أو نسبته أو غير ذلك مما لم يذكره البخاري، على حين أنه في الحقيقة يخص راوياً آخر، فيحدث الالتباس بالجمع والتفريق، ويطرأ التساؤل: هل هذا من صنيع أبي حاتم، أو من صنيع ابنه، على نحو ما أثير في السطور السابقة، والله تعالى أعلم.
مثال على نسبة التصرفات في تراجم الكتاب لابن أبي حاتم
قال الحافظ ابن حجر في الإصابة (1/ 425):
ثابت بن يزيد الأنصاري ذكره الباوردي ... قلت: وثابت بن يزيد هذا هو ابن وديعة، ووهم من جعله اثنين، فقد روى الطيالسي هذا الحديث فقال: ثابت بن وديعة ...
وأعجب من ذلك أن ابن أبي حاتم تحرف عليه اسم وديعة فصار وداعة وغاير بينه وبين ثابت بن يزيد بن وديعة وقال ما نصه:
ثابت بن يزيد بن وداعة كوفي له صحبة روى عن البراء وزيد بن وهب وعامر بن سعد
وكان قال قبل ذلك:
ثابت بن يزيد بن وديعة فذكر نحو ذلك
وقال قبل ذلك:
ثابت بن زيد له صحبة وروى عنه عامر بن سعد
فصير الواحد ثلاثة.
انتهى كلام الحافظ ابن حجر.
المثال الثاني في الجمع والتفريق:
الجمع والتفريق
بين:
عبد الله بن بحير
وبين
أبي وائل القاص الصنعاني
وبين
عبد الله بن بحير بن ريسان الصنعاني
¥