تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبعيداً عمن حزم أمره من الأئمة المتأخرين مثل المزي وغيره الذين جعلوا هؤلاء الرواة واحدا فقط، فإننا لو أخذنا صنيع بعض الأئمة المتقدمين وغيرهم على ظاهره لقلنا إن بعضهم ـ وفق أقواله أو صنيعه ـ يجعل هؤلاء الرواة اثنين، وبعضهم يجعلهم ثلاثة بل أربعة، هذا إذا كان في قصده وذهنه الجمع والتفريق، ويحتمل أن بعضهم كان يتعامل مع كل صورة وفق الإسناد الذي وقع له، ربما بمعزل عن الأخرى، وحينئذ قد لا ينتبه البعض إلى ما بين هذه الصور أو بعضها من جمع أو تفريق، على نحو ما أخذه الدارقطني والخطيب على البخاري في تاريخه أنه يقع له أحيانا، وإن كنا لا نقصد البخاري في هذا الموضع، فلقد كان تفصيله للرواة على النحو الأصوب، والله أعلم.

وهذه الصور الأربعة الأساسية هي:

1 ـ أبو وائل القاص الصنعاني المرادي.

2 ـ عبد الله بن بحير القاص.

3 ـ عبد الله بن بحير بن ريسان.

4 ـ عبد الله بن عيسى بن بحير بن ريسان الجندي.

أما (عبد الله بن بحير بن ريسان) الذي يروي معمر عن ابنه (يحيى بن عبد الله بن بحير بن ريسان) والتساؤل هل كانت له رواية؟ وأين هي؟ فقد تقدم الكلام عن ذلك قريبا.

وعلى كل حال فإننا في مبدأ النظر في هذه الترجمة كنا نظن أن هذه الصور الأربعة تمثل راويين فقط، الصورتان الأوليان تمثلان راوياً، والصورتان الأخريان تمثلان راوياً آخر، ولكن تبين بعد إمعان النظر في الأسانيد والمتون المختلفة لهذه الترجمة أن الأمر أكثر تفصيلاً من ذلك، كما سيتضح فيما يلي، والله المستعان.

والأمر الجدير بالملاحظة ههنا أن الطرق التي وقفنا عليها عن إبراهيم بن خالد الصنعاني عن أبي وائل القاص وهي جميعها لحديث واحد عن عروة بن محمد ليس فيها التسمية باسم [عبد الله بن بحير]

وأما الطرق التي وقفنا عليها عن إبراهيم بن خالد الصنعاني عن عبد الله بن بحير وهي جميعها لحديث واحد عن عبد الرحمن بن يزيد ليس فيها التسمية باسم [أبي وائل القاص]

وفي نفس الوقت فإن هشام بن يوسف الصنعاني روى عن عبد الله بن بحير ووصفه أحيانا بالقاص ولكنه لم يكنه بأبي وائل في أي موضع مما استطعنا حصره.

وبالنظر إلى أن ما ترجم به البخاري في التاريخ والكنى يشير إلى أنهما عنده اثنان كذلك، نجد ذلك يدفع إلى الظن بقوة بأنهما راويان منفصلان، فتصبح حينئذ احتمالات افتراق وتعدد الرواة وفق الصور الأربعة المذكورة آنفاً:

الصورتان الأوليان راويان اثنان، والصورتان الأخريان راو واحد

ولكن روى ابن كثير في التفسير (1/ 406) من طريق الإمام أحمد:

حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا أبو وائل الصنعاني قال كنا جلوسا عند عروة بن محمد .. فذكر الحديث، وقال:

وهكذا رواه أبو داود من حديث إبراهيم بن خالد الصنعاني عن أبي وائل القاص المرادي الصنعاني، قال أبو داود: [أراه عبد الله بن بحير].

نقول: من المهم الانتباه ههنا إلى أن أبا داود لم يقل في هذا الموضع: (أراه عبد الله بن بحير بن ريسان)، إذْ سيتضح فيما يأتي الفارق بين (عبد الله بن بحير) وبين (عبد الله بن بحير بن ريسان).

وعلى كل حال فاشتراك الراويين في نسبة القاص بالإضافة إلى النسب الأخرى لعلها هي التي جعلت أبا داود يجمع بينهما، ولكن يلاحظ أن شيخهما أو أحدهما (عبد الرحمن بن يزيد) قاصّ هو الآخر، وفي هذه الطبقة عدة شيوخ وتلاميذ من أهل اليمن يكثر فيهم الاشتغال بالقصص والانتساب بنسبة القاص، والله أعلم.

وقال الحافظ ابن حجر في التهذيب:

قال أبو أحمد الحاكم في الكنى في فصل من عرف بكنيته ولا يوقف على اسمه: (أبو وائل القاص المرادي) قاص أهل صنعاء سمع عروة بن محمد وعنه إبراهيم بن خالد المؤذن.

وعزاه للبخاري

قال الذهبي في التهذيب وقرأته بخطه لم يفرق بينهما أحد قبل ابن حبان وهما واحد.

انتهى كلام الحافظ.

نقول: سيأتي ما يبين أن صنيع البخاري وغيره يدل على التفريق إن شاء الله، وههنا نقطة مهمة جداً، وهي أن الإمام ـ لا سيما من المتقدمين ـ قد لا يصرح بقول فصل في مسألة، لأن المشكلة المتعلقة بهذه المسألة لم تطرح عليه أصلاً أو لم تكن مطروحة في عصره أو قبل عصره، ولهذا فإن صنيع هؤلاء الأئمة قد يصلح أحياناً - في ضوء الكلام المتقدم آنفاً - أن يقوم مقام التصريح في مثل هذه الأحوال، والله تعالى أعلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير