تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وفي الحقيقة فإن أغلب أسانيد الكتب الستة شيء، وأسانيد سائر الأئمة الآخرين شيء آخر إلى حدٍّ كبير، انظر على سبيل المثال الرواة الذين يذكرهم المزي في الشيوخ والتلاميذ ولا يرمز لهم بشيء من رموز الستة، وانظر إلى الرواة المتشابهين في الأسماء من رمز له بشيء من رموز الستة، ومن لم يرمز له، وإذا أردت أن تتخيل كم من الرواة يمكن استدراكهم على المزي الذي لم يشترط على نفسه الاستيعاب كما سبق، فانظر إلى ترجمة شعبة من تاريخ الإسلام، وقارن بين الرواة الذين ذكرهم الذهبي رحمه الله عن شعبة في الفصل الذي عقده تحت عنوان: (فصل في الرواة عن شعبة) والذي نقله بدوره عن ابن منده، قارن بين ذلك وبين الرواة الذين ذكرهم المزي في تلاميذ شعبة رغم كثرتهم عنده كذلك، ستجد الفارق في العدد كبيراً، وقارن كذلك بين تراجم بعض المشاهير من التابعين وأتباعهم مثل الشعبي وإبراهيم النخعي وشريك وغيرهم من الفقهاء، وبين الرواة الذين يروون عنهم في كتاب مثل أخبار القضاة لمحمد بن خلف المعروف بوكيع، ستجد الفارق كبيراً كذلك، وليس شيء من ذلك يعيب أي شيء في صنيع المزي، بل الرجل له فضل كبير في إيراد من ليسوا على شرط كتابه، مع التحرير للأسانيد التي استخرجهم منها، والدليل على ذلك أنه أعرض عن كثير من الأسانيد غير المتصلة، فمثلاً لن تجد الثوري في تلاميذ النخعي للإرسال الواضح في روايته عنه، كما سبق بيانه، وما يضطر إلى إيراده من هذا القبيل ينص على عدم الاتصال ونحو ذلك من العبارات.

وإنما استطردنا في هذه النقطة للتأكيد على أهمية كتاب المزي، فلا غنى عنه للباحثين، ولكننا فقط بصدد التنبيه على ضرورة عدم الاعتماد الكبير عليه، في غير أسانيد الستة، وإلا فماذا كان يصنع العلماء قبل هذا الكتاب؟

وفي الواقع يمكننا أن نلمس ذلك في كثير من الأمثلة المذكورة في القواعد السابقة، وفيما سيلي من الكلام بإذن الله تعالى.

ولعل من الأمثلة التي يمكنني اختيارها للكلام عن مسألة مدى اعتماد الباحث على الشيوخ والتلاميذ المذكورين كتاب تهذيب الكمال هي السلسلة التي يرويها الطبري في تفسيره وهي سلسلة:

(محمد بن عمرو عن أبي عاصم عن عيسى)

وقد تكررت هذه السلسلة أكثر من ألفي مرة في هذا الكتاب.

وقصة هذا السلسلة ـ وفقاً للمحاذير التي يمكن أن يقع فيها بعض الباحثين ـ كما يلي:

أولاً: (محمد بن عمرو):

من الممكن أن يتم ـ وعلى صور متعددة ـ تعيين (محمد بن عمرو) هذا في تفسير الطبري على الخطأ إما في جميع المواضع إذا كان الذي يقوم بتعيين جميع هذه المواضع أو هذه السلسلة باحثاً وحيداً، أو في مواضع عديدة، نظراً لإمكانية التفاوت بين إمكانات الباحثين، بالإضافة إلى طبيعة المنهج الذي يتبعه كل منهم.

وإذا وقع الخطأ في التعيين السابق، فإنما يكون ذلك بسبب الاعتماد على ما يذكره المزي في الشيوخ أو التلاميذ فقط دون النظر للاعتبارات الأخرى على ما سنذكره فيما يلي بمشيئة الله عز وجل

فأما الصورة التي على الصواب فالأصل أنها إذا تم تعيينها بمعزل عن بقية الكتاب أن يقع التعيين على الصواب في نحو عشرين موضعاً فقط، من جملة مواضع تزيد على الألفي موضع.

وذلك أن (محمد بن عمرو) هذا وقع اسمه في هذه المواضع العشرين مميزا هكذا: (محمد بن عمرو الباهلي).

وجاء في موضع وحيد هكذا: (محمد بن عمرو بن العباس الباهلي).

وفي باقي المواضع (أي الألفي موضع الأخرى) وقع فيها: (محمد بن عمرو) غير منسوب أو مميز بأكثر من هذا [أي: (محمد بن عمرو) فقط].

والتعيين الصحيح لهذا الراوي في الألفي موضع هو أنه:

(محمد بن عمرو بن العباس أبو بكر الباهلى البصري)

قدم بغداد وحدث بها عن عبد الوهاب الثقفى وسفيان بن عيينة وأبى ضمرة أنس بن عياض ومحمد بن جعفر غندر ومحمد بن أبي عدي وغيرهم روى عنه عبد الله بن أحمد بن حنبل وعبد الله بن محمد البغوي ويحيى بن محمد بن صاعد وجماعة آخرهم القاضي المحاملي).

كذا ترجم له الخطيب في تاريخ بغداد (3/ 127)

وبالطبع فإن هذا التعيين للراوي له حيثياته وهي كما يلي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير