فعن عبيد الله بن مُحصّن الخطمي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم آمنًا في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيره ا". فالأمن النفسي مع المعافاة في البدن، ولو كان يحوز قوت اليوم فحسب يحقق للمؤمن الشعور بأنه يملك الدنيا بأسرها.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سأل ناس من الأنصار رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعطاهم ما سألوه، ثم سألوه، فأعطاهم ما سألوه، ثم سألوه، فأعطاهم ما سألوه، حتى إذا نفد ما عنده. قال: "ما يكون عندي من خير فلن أدّخره عنكم. ومن يستعفف يعفه الله، ومن يستغن يغنه الله. ومن يتصبر يصبره الله، وما أعطي أحد عطاء هو خير له أوسع من الصبر ".
فتعليق النبي صلى الله عليه وسلم على موقف هؤلاء الناس مع عطائه لهم ثلاث مرات حتى نفد ما عنده يوجه نحو القناعة والرضى، وأن الذي يطلب ذلك من الله يحققه له.
وقد مر بنا كيف سمي المال بالخير، وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم بالخير كذلك: "ما يكون عندي من خير" أي من مال.
وفي تحقيق هذا الرضا يروى أبو هريرة رضي الله عنه قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا نظر أحدكم إلى من فُضّل عليه في المال والخلق فلينظر إلى من هو أسفل منه، فذلك أجدر أن لا تزدروا نعمة الله عليكم" أخرجه الشيخان والترمذي. وزاد رزين في رواية: قال عون بن عبد الله بن عتبة رحمه الله: كنت أصحب الأغنياء، فما كان أحد أكثر همًا مني. كنت أرى دابة خيرًا من دابتي، وثوبًا خيرًا من ثوبي. فلما سمعت هذا الحديث صحبت الفقراء فاسترحت ".
وقد مر بنا كيف حقق الرسول الكريم في حياته المباركة ما يجعل منها مواساة للفقراء ورضا بالقضاء، وإشعارًا للأغنياء باحترام الفقراء وعدم الكبر عليهم، كما ينبه إلى عدم التعلق بزخارف الحياة، والتفكير في المصير تفكيرًا يجمع بين عمارة الحياة الدنيا والفوز بالآخرة.
فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد نام على رمال حصير، وقد أثر في جنبه، فقلت: يا رسول الله! لو اتخذنا لك وطاءً نجعله بينك وبين الحصير يقيك منه؟ فقال: "ما لي وللدنيا، ما أنا والدنيا إلا كراكب استظل تحت شجرة، ثم راح وتركه ا".
وعن سهل بن سعد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرًا منها شربة ماء ".
وعن علي رضي الله عنه قال: "ارتحلت الدنيا مدبرة، وارتحلت الآخرة مقبلة! وإن لكل واحدة منهما بنين فكونوا من أبناء الآخرة، ولا تكونوا من أبناء الدنيا. فإن اليوم عمل ولا حساب، وغدًا حساب ولا عمل.
فالبنوة للآخرة تعني الجمع بين الدنيا والآخرة؛ أي بين العمل الصالح الذي تعمر به الحياة، والحساب الذي يجازى فيه على الصالحات في الآخرة.
النسخ
فإذا تعذر الجمع بين الروايات، أو كان متكلفًا صرنا إلى النسخ، أي إلى تحديد السابق واللاحق من الروايات، فإذا علم التاريخ فإن المتأخر منها ينسخ المتقدم.
وقد تكون ألفاظ الروايات مصرحة بتحديد المتقدم والمتأخر كما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها ".
فالنهي عن الزيارة كان أولاً، ثم الأمر بالزيارة كان آخرًا، وعلى ذلك يكون العمل المتبع الزيارة لما لها من المنافع المذكورة في الروايات من رقة القلب وتذكر الآخرة والدعاء للموتى وغير ذلك.
وقد يكون لفظ الصحابي ناطقًا بهذا التحديد للسابق واللاحق كما جاء في حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا بالقيام في الجنازة ثم جلس بعد ذلك وأمرنا بالجلوس.
وعن عبادة بن الصامت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اتَّبع جنازة لم يقعد حتى توضع في اللحد فعرض له حبر من اليهود فقال له: إنا هكذا نصنع يا محمد. فقال لنا النبي صلى الله عليه وسلم: "خالفوهم واجلسوا ".
وقد يكون التاريخ معلومًا من حكاية الصحابة رضوان الله عليهم - كذلك - نحو ما رواه أُبي بن كعب رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إذا جامع أحدنا فأكسل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يغسل ما مس المرأة منه وليتوضأ ثم ليصل ". فهذا حديث يدل على أنه لا غسل مع الإكسال، وأن موجب الغسل الإنزال.
¥