وأما أسبابُ الحديث: فألف فيه بعضُ المتقدمين، ولم نقف عليه، وإنما ذكروه في ترجمته، وذكره الحافظُ أبو الفضل ابنُ حجر في شرح النخبة.
وقد أحببتُ أن أجمع فيه كتابًا، فتتبعت جوامع الحديث، والتقطت منها نُبذًا، وجمعتها في هذا الكتاب. والله الموفق والهادي للصواب" ويقصد السيوطي بذلك كتابه " اللمع في أسباب الحديث".
ويذكر جهد من سبقه في ذلك بقول شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني في كتابه: "محاسن الاصطلاح": "النوع التاسعُ والستون: معرفةُ أسباب الحديث، قال الشيخُ أبو الفتح القُشيريُّ المشهور بابن دقيق العيد رحمه الله في شرح العمدة في الكلام على حديث "إنما الأعمال بالنيات" في البحث التاسع: "شرع بعض المتأخرين من أهل الحديث في تصنيف أسباب الحديث، كما صُنِّف في أسباب النزول للكتاب العزيز، فوقفت من ذلك على شيء يسير له، وحديثُ "إنما الأعمال بالنيات" يدخل في هذا القبيل، ويَنْضمُّ إلى ذلك نظائر كثيرة لمن قصد تتبعه.
وإذا كان الإمام السيوطي قد ذكر ما وقف عليه من نماذج سابقة "في أسباب الورود" - كما رأينا - فإنه أشار في الوقت نفسه إلى مصنفات مفقودة في هذا الموضوع منها:
- تصنيف أبي حفص العُكْبري.
- وتصنيف أبي حامد بن قتاده الجوباري.
وذكر السيوطي قول الذهبي - بعد هذا التصنيف -: "ولم يسبق إلى ذلك".
كما أشار صاحب مفتاح السعادة إلى وجود مصنفات في هذا الفن لكنه لم يرها.
وعلى ذلك فالمصنفات التي بين أيدينا في هذا النوع من أنواع علوم الحديث، والتي يمكن أن نتعامل معها تحليلاً ودراسة، هي على هذا الترتيب:
1 - ما كتبه الحافظ البلقيني في كتابه محاسن الاصطلاح، وتضمين كتاب ابن الصلاح، والذي تتبع فيه مقدمة ابن الصلاح فقرةً فقرة، فأعاد صياغتها تضمينًا، ثم عقَّب عليها بفوائد وزيادات تُفصِّل ما أجمل ابن الصلاح، وتستدرك ما فاته، وتناقشُ ما يرد على كلامه، حيثما بدا وجه اعتراض، ثم لما وصل في محاسنه إلى نهاية المقدمة، تابع تقديم أنواعٍ خمسةٍ من علوم الحديث لم يتكلم عنها "ابن الصلاح" في مقدمته، ومنها النوع التاسع والستون: "معرفة أسباب الحديث".
والذي يجعلني أعدُّ هذا الصنيع، من المصنفات، أن الإمام البلقيني لم يتعامل مع هذا النوع تعامله مع الأنواع الأخرى في ذكر قوانين الرواية، وما عُرف من منهج مصطلح الحديث، ولكنه زاد على ذلك. تصنيفًا لمجموعة من الأحاديث بأسبابها، مبينًا كيف يكون التصنيف في هذا النوع؛ فلم يكتف بمثالٍ أو مثالين، وإنما قدّم مجموعةً من الروايات، تُعدُّ مثالاً يُحتذى في هذا الموضوع.
2 - "اللُّمع في أسباب الحديث"، أو "أسباب ورود الحديث" للحافظ جلال الدين السيوطي، وقد قام بتحقيقه الدكتور يحيى إسماعيل، في عمله للماجستير.
3 - "البيانُ والتعريفُ في أسباب ورود الحديث الشريف" تأليف السيد الشريف إبراهيم بن محمد بن كمال الدين الشهير بابن حمزة الحُسيني الدمشقي، وقد حققه وعلق عليه فضيلة الدكتور الحسيني عبد المجيد هاشم رحمه الله.
ارتباط سبب الورود بسبب النزول
وإذا كان ابن دقيق العيد والسيوطي قد نبّها - كما مر - إلى هذه العلاقة، بين أسباب الورود وما كتب فيها، وأسباب النزول وما كتب فيها، فإن المتأمل في هذه الكتابات، يجد أن المصنفين في أسباب النزول، هم المشتغلون بالروايات وما يتصل بعلوم الحديث؛ فقد ذكر الإمام الزركشي في كتابه "البرهان في علوم القرآن"، عناية المفسرين في كتبهم بمعرفة أسباب النزول، وأنهم أفردوا فيه تصانيف، منهم "علي بن المديني" شيخ البخاري، ومن أشهرها تصنيف الواحدي.
واتفق الإمام السيوطي مع الإمام الزركشي في وصف كتاب أسباب النزول لأبي الحسن "علي بن أحمد الواحدي النيسابوري" بأنه أحسنها.
كما يقول السيوطي: ثم شيخ الإسلام حافظ العصر، أبو الفضل "ابن حجر".
غير أن الإمام السيوطي - وقد ألف في هذا كتابه لباب النقول في أسباب النزول - يذكر في كتابه "الإتقان"، ما يشعر بسبب تأليفه لهذا الكتاب، على الرغم من شهادته بالحسن لكتاب الواحدي، فيقول: "ومن أشهرها كتاب الواحدي على ما فيه من إعواز، وقد اختصره "الجعبري" فحذف أسانيده، ولم يزد عليه شيئًا، وألف فيه شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر كتابًا مات عنه مسودة، فلم نقف عليه كاملاً، وقد ألف فيه كتابًا حافلاً موجزًا محرراً، لم يؤلف مثله في هذا النوع.
¥