تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلى كل حال، فكل من كتب - بعد ذلك - في أسباب النزول، فإن مصادره الأساسية ما ذكر في البرهان، والإتقان، وما جمع من أسباب النزول في الكتب السابقة، ومن أجمع ما كتب من دراسة حديثة في هذا، ما سطره الشيخ محمد عبد العظيم الزرقاني في كتابه "مناهل العرفان في علوم القرآن".

وتعود الصلة بين أسباب النزول وأسباب الورود، إلى ما يلي:

أولاً: اعتماد النوعين على رواية الصحابي أو التابعي

فيذكر السيوطي في الإتقان قول الواحدي: "لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب، إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل، ووقفوا على الأسباب، وبحثوا عن علمها، وقد قال محمد بن سيرين: سألت عبيدة عن آية من القرآن، فقال: اتق الله وقل سدادًا، ذهب الذين يعلمون فيما أنزل الله من القرآن.

وقال الحاكم في علوم الحديث: إذا أخبر الصحابي، الذي شهد الوحي والتنزيل، عن آية من القرآن الكريم أنها نزلت في كذا، فإنه حديث مسند، ومشى على هذا ابن الصلاح وغيره.

ويقول السيوطي: "وما كان منه عن صحابي، فهو مسند مرفوع، إذ قول الصحابي فيهما لا مدخل فيه للاجتهاد، مرفوع.

أو تابعي فمرسل. وشرط قبولهما صحة السند، ويزيد الثاني (وهو المرسل) أن يكون راويه معروفًا بأنه لا يروي إلا عن الصحابة، أو ورد له شاهد مرسل أو متصل، ولو ضعيفًا.

وإذا تعارض فيه حديثان؛ فإن إمكن الجمع بينهما فذاك؛ كآية اللعان، ففي الصحيح عن سهل بن سعد الساعدي أنها نزلت في قصة عُويْمر العجلاني، وفيه أيضاً - أنها نزلت في قصة هلال بن أمية، فيمكن أنها نزلت في حقهما، أي بعد سؤال كل منهما، فيُجمع بهذا.

وإن لم يكن قُدّم ما كان سنده صحيحًا، أو له مُرجّح، ككون راويه صاحب الواقعة التي نزلت فيها الآية، ونحو ذلك،

فإن استويا، فهل يُحمل على النزول مرتين، أو يكون مضطربًا يقتضي طرح كل منهما.

عندي فيه احتمالان.

وفي الحديث ما يشبهه.

وربما كان في إحدى القصتين "فتلا" فوهم الراوي فقال: "فنزلت". مثال ذلك ما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس، قال: مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السماوات على ذه، والأرضين على ذه، والماء على ذه، والجبال على ذه، وسائر الخلق على ذه؟ فأنزل الله: (وَما قدروا الله حق قدْرِه…) (الأنعام:91). والحديث في الصحيح بلفظ "فتلا" رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو الصواب، فإن الآية مكية".

ومثال ذلك - أيضًا - ما أخرجه البخاري رحمه الله، عن أنس رضي الله عنه، قال: سمع عبد الله بن سلام بمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتاه، فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي:

ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد، إلى أبيه أو أمه؟

قال: أخبرني بهن جبريل آنفًا، قال: جبريل؟

قال: نعم. قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة .. فقرأ هذه الآية: (مَن كان عدُوًّا لجبريل فإنه نزله على قلْبِك) (البقرة:97).

قال ابن حجر في شرح البخاري: ظاهر السياق أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية ردًا على اليهود، ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ، قال: وهذا هو المعتمد، فقد صح في سبب نزول الآية قصة غير قصة ابن سلام.

وعلى ذلك فإن سبب النزول، يجري عليه من الأحكام ما يجري على الأحاديث، من جهة التوثيق للروايات، والتأليف - بالطرق العلمية المعروفة لدى علماء الحديث - بين مختلفها، غير أن سبب النزول يتميز بارتباطه بآيات الذكر الحكيم وقت نزولها.

ولذلك ينبغي أن نعمق النظر للتفريق بين السبب في النزول، وما يجري في الأحاديث من بيان المعاني فيما تضمنته آيات القرآن الكريم، فمجئ عبد الله بن سلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة، وسؤاله للنبي صلى الله عليه وسلم عن الأمور الثلاثة، سبب لورود الحديث، ومن إجابة النبي صلى الله عليه وسلم، جاء ذكر جبريل عليه السلام، وجاء قول عبد الله بن سلام في جبريل من خلال تصور اليهود له، فجاء ذكر الآية الكريمة، بسبب ورود الحديث السابق، وذكرها - هنا - لا يعد سببًا لنزولها، حيث نزلت بسبب آخر، أخرجه أحمد والترمذي والنسائي، من طريق بكر بن شهاب عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال: أقبلت يهود إلى رسول الله فقالوا: يا أبا القاسم! إنا نسألك عن خمسة أشياء، فإن أنبأتنا بهنّ عرفنا أنك نبيّ، فذكر الحديث .. وفيه أنهم سألوه عما حرّم

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير