إسرائيل على نفسه، وعن علامة النبي،وعن الرعد وصوته، وكيف تذكر المرأة وتؤنث، وعمّن يأتيه بخبر السماء، إلى أن قالوا: فأخبرنا من صاحبك؟
قال جبريل؟ قالوا: جبريل! ذاك ينزل بالحرب والقتال والعذاب عدوّنا، لو قلت: ميكائيل الذي ينزل بالرحمة والنبات والقطر لكان خيرًا، فنزلت.
وعلى ذلك فإن الدقة في التفريق بين سبب النزول، وسبب الورود، ضرورية، حتى يكون الاجتهاد في فهم النصوص، واستنباط الأحكام منها، صحيحًا.
ثانيًا: معرفة سبب النزول، وكذلك سبب الورود، تجعل الإنسان مدركًا لحقيقة المعنى وأبعاده
ويعايش جزئيات الأسباب، ووجه الارتباط بين النص والحكم، والحكمة التي تكون في هذا الارتباط، وهذا يعين المجتهدين في كل عصر، لمعرفة الصفات المشتركة بين الفرع والأصل عند القياس، كما ييسر على المجتهدين الوقوف على تحقق الحكمة عند استنباط الأحكام للمشكلات المعاصرة، يقول الزركشي: "وأخطأ مَنْ زعم أنه لا طائل تحته، لجريانه مجرى التاريخ، وليس كذلك، بل له فوائد منها: وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم.
ثالثًا: معرفة سبب النزول، وكذلك سبب الورود، يزيل الإشكال
عند الوقوف أمام المعاني في بعض الآيات، وفي بعض الأحاديث، يقول الواحدي: "لا يمكن معرفة تفسير الآية دون الوقوف على قصتها، وبيان نزولها".
ويقول ابن دقيق العيد: "بيان سبب النزول، طريق قوي في فهم معاني القرآن".
ويقول ابن تيمية: "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب".
ومن أمثلة ذلك:
أشكل على مروان بن الحكم معنى قوله تعالى: (لا تحْسبنّ الذين يفرحون بما أتوا وّيُحبّون أن يُحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازة من العذاب ولهم عذابُ أليم) (آل عمران:188) .. فقد أخرج البخاري في صحيحه بسنده عن علقمة بن وقاص: أن مروان قال لبوابه: اذهب يا رافع إلى ابن عباس فقل: لئن كان كل امرئ فرح بما أتى، وأحب أن يحمد بما لم يفعل، معذبًا، لنعذّبن أجمعون! فقال ابن عباس: وما لكم ولهذه؟! إنما دعا النبي صلى الله عليه وسلم يهود، فسألهم عن شيء فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، فأروه أن قد استحمدوا إليه بما أخبروه عنه فيما سألهم، وفرحوا بما أتوا من كتمانهم، ثم قرأ ابن عباس: (وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتُبيننه للناس ولا تكتُمونه فنبَذُوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلاً فبئس ما يشترون * لا تحسبنّ الذين يفرحون بما أتوا ويُحبون أن يحمدوا بما لم يفعلوا فلا تحسبنهم بمفازةٍ من العذاب ولهم عذاب أليم) (آل عمران:187 - 188).
وأما الأمثلة التي تتعلق بأسباب الورود، فقد ذكر أستاذنا الدكتور يوسف القرضاوي، مجموعة منها في كتابة "كيف نتعامل مع السنة النبوية، معالم وضوابط"، قدم لها بقوله: " لا بد لفهم الحديث فهمًا سليمًا دقيقًا، من معرفة الملابسات التي سيق فيها النص، وجاء بيانًا لها، وعلاجًا لظروفها، حتى يتحدد المرادُ من الحديث بدقة، ولا يتعرض لشطحات الظنون، أو الجري وراء ظاهر غير مقصود.
ومما لا يخفى أن علماءنا قد ذكروا أن مما يُعين على حسن فهم القرآن معرفة أسباب نزوله، حتى لا يقع فيما وقع فيه بعضُ الغلاة من الخوارج وغيرهم، ممن أخذوا الآيات التي نزلت في المشركين، وطبّقوها على المسلمين، ولهذا كان ابنُ عمر يراهم شرار الخلق، بما حرفوا كتاب الله عما أنزل فيه.
فإذا كانت أسباب نزول القرآن مطلوبة لمن يفهمه أو يفسره، كانت أسبابُ ورود الحديث أشدّ طلبًا.
ذلك أن القرآن بطبيعته عامّ وخالدُ، وليس من شأنه أن يعرض للجزئيات، والتفصيلات، والآنيات، إلا لتُؤخذ منها المبادئ والعبر.
أما السنة فهي تعالج كثيرًا من المشكلات الموضعية والجزئية والآنية، وفيها من الخصوص والتفاصيل ما ليس في القرآن.
فلا بد من التفرقة بين ما هو خاص وما هو عام، وما هو مؤقت وما هو خالد، وما هو جزئيُّ، وما هو كليُّ، فلكلّ منها حكمُه، والنظرُ إلى السياق والملابسات والأسباب، تساعد على سداد الفهم، واستقامته لمن وفقه الله".
والأمثلة التي قُدمت لبيان أهمية أسباب الورود، وأثرها في الفهم الصحيح، تجمع بين ذكر الحديث، والفهم الخطأ له، والفهم الصواب الذي يتحقق بمعرفة سبب ورود هذا الحديث.
¥