تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والحديث الذي يذكر كمثالً لوجود السبب في الحديث نفسه، هو حديث: "إنما الأعمال بالنيات"، فقد ذكر أنهم نقلوا أن رجلاً هاجر من مكة إلى المدينة، لا يريد بذلك فضيلة الهجرة، وإنما هاجر ليتزوج امرأة تسمى "أم قيس"، فسمّي "مهاجر أم قيس"، ولهذا ذُكر في الحديث شأن هذه المرأة، دون سائر ما يُنوى به الهجرة، من أفراد الأغراض الدنيوية.

ويورد البلقيني حديثًا آخر ليدلل به على وجود السبب في الحديث نفسه، مثل حديث (سؤال جبريل عن الإيمان، والإسلام، والإحسان، وغيرها)، وكذلك حديث (القلتين) "إذا بلغ الماءُ قلتين لم يحمل نجسًا: سُئِل عن الماء يكون بالفلاة وما ينوبه من السباع والدواب"… وكذلك حديث (الشفاعة)، سببه قوله صلى الله عليه وسلم: "أنا سيدُ ولد آدم ولا فخر" .. وكذلك حديث (سؤال النجدي) .. وحديث (صلِّ فإنك لم تصلّ) .. وحديث (خذي فرصة مُمسّكةً فتطهري بها" والفرصة بكسر الفاء .. وحديث (السؤال عن دم الحيض يصيب الثوب) .. وحديث (السائل: أيُّ الأعمال أفضل) .. وحديث (سؤال: أيُّ الذنب أكبر)، وذلك كثير.

ونلاحظ أن البلقيني قد جعل السبب في هذه الأحاديث يعود إلى "السؤال"، ولكن هل السؤال المجرد يمكن أن يكون سببًا؟

إذا قلنا: إن السبب يعني الملابسات، والظروف والمواقف التي صاحبت ورود الحديث، ومعرفتها تبرز لنا المعنى في الحديث؛ فإن السؤال وحده، دون النظر إلى طبيعة السائل، وحاله، وصفاته، وما كان فيه عند السؤال من موقف، لا يحقق هذا المراد، ولذلك؛ فلا بد مع السؤال المجرد، من تتبع هذه الأحوال، وهذه الظروف والملابسات في مواضع أخرى، وعلى ذلك فإن هذا القسم الذي أشار إليه البلقيني، يتداخل مع القسم الثاني الذي ذكره في هذا الشأن بقوله: "وقد لا ينقل السبب في الحديث، أو ينقل في بعض طرقه، فهو الذي ينبغي الاعتناء به"… (ومن ذلك حديث: "أفضل صلاة المرء في بيته، إلا المكتوبة "). رواه البخاري ومسلم، وغيرهما، من حديث زيد بن ثابت رضي الله عنه.

وقد ورد في بعض الأحاديث، أنه ردُّ على سؤال سائل، وهذا أسنده ابن ماجه في سننه، والترمذي في الشمائل، من حديث عبد الله بن سعد، قال: "سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، أيُّما أفضل: الصلاة في بيتي، أو الصلاة في المسجد؟ قال: "ألا ترى إلى بيتي، ما أقربه من المسجد، فلأن أصلي في بيتي أحبُّ إليّ من أن أصلي في المسجد، إلا أن تكون صلاة مكتوبة"، أخرجه ابن ماجه، وهذا لفظه من حديث شيخه أبي بكر بن خلف، وأخرجه الترمذي في الشمائل، عن عباس العنبري، عن عبد الرحمن بن مهدي بسنده .. إلا أنه قال: عن "حرام بن حكيم"، وعندما ننظر في هذا الحديث، نجد أن السؤال قد صُحِب ببيان حالة أخرى، نبه إليها النبي صلى الله عليه وسلم، وفيها تدعيم لهذا الحكم في الحديث، من أفضلية صلاة التطوع في البيت، وهي التي جاءت في صيغة هذا الاستفهام، الذي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم، ليقرر قرب بيته من المسجد، ومحبته لصلاة التطوع في بيته، مع قرب المسجد منه إلا في الصلاة المكتوبة.

ومن ذلك حديث: "من صلى قاعًدا فله نصف أجر القائم "، رواه عمران بن حصين وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عمران في صحيح البخاري، وأما سببه فرواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه، عن معمر عن الزهري، أن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قدمنا المدينة، فباء لنا وباء من وعك المدينة شديد، وكان الناس يكثرون أن يصلوا في سبحهم، جلوسًا، فقال: "صلاة الجالس نصف صلاة القائم"، قال: فطفق الناس حينئذ يتجشمون القيام، قال عبد الرزاق عقيب هذا: أخبرنا ابن جريج قال: قال ابن شهاب: أخبرني أنس بن مالك قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة وهي مُحِمّة فَحُمَّ الناس، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم والناس يصلون قعودًا فقال: "صلاة القاعد نصف صلاة القائم "، فتجشم الناس الصلاة قيامًا.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير