تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومعنى ذلك أن الأسباب تعامل في الحكم عليها، معاملة الحديث ذاته، من جهة سندها ومتنها، ولا فرق، وذلك لأن اعتماد سبب الورود سيؤثر في فهمنا للحديث نفسه.

وقد رأينا كيف أن سنن أبي داود قد جاء فيها ما يفيد أمرًا آخر، وهو تعدي ذلك إلى الغاصب.

ولذلك وجدنا عبارة البلقيني، والتي جعلها نتيجةً لتتبعه طرق الحديث: "والأخذ بالسبب المرفوع أقوى".

فهذه العبارة وإن كان أرجأ البسط فيها إلا أنها تفيد خضوع طرق الأسباب إلى المرجحات المعروفة لدى علماء الحديث، كما أنها تفيد في الوقت نفسه، أن ترجيح السبب المرفوع، يعود إلى الوقوف المباشر على الظروف، والملابسات، والقرائن، التي صاحبت الحديث.

وهذا يعين على فهم الحديث، كما يعين على حسن فقه المسألة، والانتفاع المعاصر بها بالقياس عليها، وقد صرح بذلك "البلقيني" في قوله: "وذكر السبب يتبين به الفقه في المسألة".

ويذكر البلقيني مثالاً آخر، وهو الإرخاص في "العَرايا".

فيقول: ومن ذلك الإرخاص في العرايا، رواه "البخاري، ومسلم" من حديث ابن عمر عن زيد بن ثابت رضي الله عنهم، ومن حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما.

وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة، تقييد الرخصة بما دون خمسة أوْسُق، أو خمسة أوسُق - شكّ داود بن الحصين، أحد رواة الحديث.

أما سبب ورود هذا الحديث، فقد ذكره "الشافعي" وغيره، قال الشافعي رحمه الله في "كتاب البيوع": "وقال محمود بن لبيد لرجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، إما زيد بن ثابت، وإما غيره - ما عراياكم هذه؟ قال: فلان وفلان -وسمى رجالاً محتاجين من الأنصار- شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الرطب يأتي ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبًا يأكلونه مع الناس، وعندهم فضول من قوتهم من التمر؛ فرخّص لهم أن يبتاعوا العرايا بِخًرْصها، من التمر الذي في أيديهم يأكلونها رطبًا".

وقال الشافعي رحمه الله في "كتاب اختلاف الحديث": "والعرايا التي أرخص رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها، ما ذكره محمود بن لبيد قال: سألت زيد بن ثابت فقلت: ما عراياكم هذه التي تحلونها؟ فذكر معنى ما ذكره في البيوع، قال الشافعي رحمه الله: "وحديث سفيان يدل على مثل هذا الحديث". وهو ما رواه الشافعي رحمه الله، عن سفيان، عن يحيى بن سعيد، عن بُشير بن يسار، قال: سمعت سهل بن أبي حثْمة يقول: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الثمر بالتمر، إلا أنه رخص في العرايا أن تباع بخرصها تمرًا، يأكلها أهلها رطبًا.

وأراد الشافعي بذلك قوله: "يأكلها أهلها رطبًا"، وليس يدل على تتمة السبب.

فتتبع سبب الورود، فسر العرايا من جهة، وأزال الاختلاف والتعارض من جهة، وأزال الاختلاف والتعارض من جهة أخرى.

واختيار البلقيني لهذا المثال، يدل على ذلك.

وأكد البلقيني هذه الفائدة من فوائد تتبع أسباب الورود، وهو إزالة التعارض في هذا المثال الآخر، وهو حديث النهي عن كراء الأرض - وفي لفظ: كراء المزارع، وهو المراد بالأول.

رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، جماعة من الصحابة، منهم "رافع بن خديج"، ولحديث طرق، منها ما رواه نافع: أن ابن عمر كان يكري مزارعه على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وفي إمارة أبي بكر وعمر وعثمان وصدرًا من خلافة معاوية، حتى بلغه في آخر خلافته أن رافع بن خديج يحدث فيها بنهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. فدخل عليه وأنا معه وسأله فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن كراء المزارع"، فتركها ابن عمر بعد ذلك، فكان إذا سُئل عنها بعد، قال: "زعم ابن خديج أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنها"، رواه "مسلم" بهذا اللفظ.

وفي "البخاري" نحوه إلى قوله: ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كراء المزارع، فقال ابن عمر: "قد علمتُ أنا كنا نكري مزارعنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم بما على الأربعاء بشيء من التبن".

والحديث في كتاب البيوع، من صحيح البخاري، قال "القسطلاني" على هامشه: "قوله: الأربعاء، بفتح الهمزة وسكون الراء وكسر الموحدة ممدودًا: جمع ربيع، وهو النهر الصغير.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير