تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وروى البخاري عنه قال: "كنا أكثر أهل المدينة حقلاً، وكان أحدنا يكري أرضه فيقول: هذه القطعة لي، وهذه لك، فربما أخرجت ذه، ولم تخرج ذه، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم -وفي لفظ له أيضًا- فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه، فنهينا عن ذلك، ولم نُنْه عن الورق".

ولمسلم عن حنظلة بن قيس الأنصاري، أنه سأل رافع بن خديج عن كراء الأرض، فقال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كراء الأرض، قال: فقلت: أفي الذهب والورق؟ قال: أما الذهب والورق فلا بأس به".

وفي رواية لمسلم عن حنظلة، قال: "سألت رافع بن خديج عن كراء الأرض بالذهب والورق، فقال: لا بأس به، إنما كان الناس يؤاجرون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم على الماذيانات، وأقبال الجداول، وأشياء من الزرع، فيهلك هذا ويسلم هذا، ويسلم هذا ويهلك هذا، فلم يكن للناس كراء إلا هذا، فلذلك زجر الناس عنه، فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به".

فهكذا يتتبع الإمام البلقيني الروايات التي تتضمن سبب الورود، وما تتضمنه هذه الروايات من مواقف للصحابة رضوان الله عليهم، كموقف عبد الله عمر رضي الله عنه من تسليمه وإذعانه لأمر لم يكن يعلمه من قبل، وإذعان رافع لما أمر به، وإذعان الرجل من بني عمومته، ولو كان في تصوره لا يطابق منفعة كما قال: "…عن أمر كان لنا نافعًا، وطواعية الله ورسوله أنفع لنا".

وما يصحب هذه المواقف من بيان ما كان عليه الناس في معاملاتهم، وتوافق الفتوى على ما كانوا عليه، وبيان أسباب النهي وملابساته، وغير ذلك من الفوائد العلمية، التي يقف عليها المتتبع لأسباب الورود.

يقول البلقيني - بعد إيراد هذه الروايات -:

فقد صرّحت هذه الروايات بالسبب المقتضى للنهي: وأما ما سبق من رواية سليمان بن يسار، عن رافع، عن رجل من عمومته، التي فيها النهي عن كراء الأرض بالطعام المسمى - وقد رواها مسلم من طريق أبي الطاهر عن رافع، من غير ذكر: بعض عمومته 0 فهو محمول على الطعام المسمى من تلك الأرض، لا على المضمون في الذمة، ولهذا السبب طرق أخرى من رواية رافع. وأما رواية جابر -يرفعه- قال: كنا نخاير على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من القصرى ومن كذا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من كانت له أرض فليزرعها، أو فليُحْرثها أخاه، وإلا فليدعْها" رواه مسلم.

وله عنه قال: كنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، نأخذ الأرض بالثلث أو الربع، بالماذيانات؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "من كانت له أرض فليزرعْها، فإن لم يزرعْها فليمْنحها أخاه، فإن لم يمنحها أخاه فليمسكها ".

ويخلص البلقيني إلى تحرير القول في هذه الروايات، فيقول: فظهر بذلك أن النهي عن كراء الأرض في حديث "جابر"، إنما كان لهذا السبب، لا أنه نهى عن الإجارة مطلقًا.

ويكون نهي عن كراء الأرض بما كان يعتاد من الأمور التي فيها الغرر والجهل، ويؤدي إلى النزاع.

ويشهد له ما جاء عن "سعد بن أبي وقاص": أن أصحاب المزارع في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم،كانوا يُكرون مزارعهم بما يكون على السواقي من الزروع، وما سُقي بالماء مما حول البئر، فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاختصموا في ذلك فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُكروا بذلك، وقال: "اكروا بالذهب والفضة ". رواه الإمام أحمد - وهذا لفظه - وأبو داود، والنسائي. وللعلماء في هذه الأحاديث مقالات ليس هذا موضع بسطها.

وينبه "البلقيني" في دراسة أسباب ورود الحديث، إلى أن السبب قد يكون من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، وقد يكون في طريق من طرق الرواية، وقد لا يكون في آخر. وهذا يقتضي التتبع والجمع للأسباب، يقول البلقيني: وما ذكر في هذا النوع من الأسباب: قد يكون ما ذكر عقد ذلك السبب من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، أول ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت. وقد يكون تكلم به قبل ذلك لنحو ذلك السبب، أو لا لسبب. وقد يتعين أن يكون أول ما تكلم به في ذلك الوقت لأمور تظهر للعارف بهذا الشأن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير