ويشير إلى موارد هذه الأسباب بقوله: وفي أبواب الشريعة والقصص وغيرها، أحاديث لها أسباب يطول شرحها. وما ذكرناه أنموذجُ لمن يريد تَعرّف ذلك، ومدخل لمن يريد أن يضيف مبسوطًا في ذلك. والمرجو من الله سبحانه وتعالى، الإعانة على مبسوط فيه، بفضله وكرمه. فهذا الأنموذج الذي قدمه الإمام البلقيني في أسباب ورود الحديث، هل يعد مدخلاً لمن يريد أن يضيف مبسوطًا في ذلك؟
لقد قدم البلقيني هذه الدراسة الموجزة لتكون مدخلاً لمن يريد الإضافة، ولكنها مع إيجازها قد وفت بما يرجوه القارئ والدارس من الأعمال الأولى الممهدة للطريق، فقد بين في دراسته ما يلي:-
نتائج التحليل لنماذج البلقيني
أولاً: بين أهمية معرفة أسباب ورود الحديث، وأنها تتساوى في تحقيق الأغراض العلمية مع معرفة أسباب نزول الآيات القرآنية الكريمة.
ثانياً: نظر إلى ما كتب قبل ذلك، فوجد نفسه أول من سيكتب في هذا الموضوع، فله فضل السبق، ومعاناة المؤسس، وما سبق في ذلك إلا بشيء يسير.
ثالثًا: استطاع أن ييسر لنا تقسيم الأسباب - وفق ما ورد في الأحاديث - إلى: أسباب تذكر في الحديث نفسه، وهذه لا تحتاج أكثر من حسن التدبر والتأمل، للربط بين الحديث وسببه، في الفهم والاستنباط.
وأسباب لا تذكر في الحديث نفسه، وإنما تأتي عن طرق أخرى، وخرجت في مصنفات أخرى.
وهذا القسم هو الذي يتطلب جهدًا علميًا في تتبع هذه الطرق، ويقتضي هذا التتبع القراءة الواسعة الواعية في كتب السنة، وحسن الربط بين المعاني في الرواية.
رابعًا: من خلال نماذجه، استطعنا أن نتعامل مع هذه الأسباب، باعتبارها روايات، مستقلة يجري عليها ما يجري على الروايات من قواعد النقد الحديثي، في السند والمتن.
خامسًا: قدم - لنا - نماذج لأسباب لا تتجاوز معنى سؤال السائل والإجابة من النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا ما دعاني إلى القول: بأن مثل هذه الأسباب في حاجة إلى مزيد من التتبع، لمعرفة أحوال السائل عند سؤاله، وطبيعة السؤال والبيئة التي قيل فيها، وغير ذلك من الملابسات والقرائن، التي تجعل للسؤال قيمة في معنى سبب الورود.
سادساً: قدم لنا أسبابًا في صورة قصة للحديث، أو تفسير حالة كان من أجلها الحكم الوارد في الحديث، أو بيان موقف كان له أثر في هذا الحكم، أو ملابسات اقترنت بهذا الحكم، أو خصوصية اقتضت هذا الحكم، أو تفصيلات لا بد من معرفتها لإمضاء هذا الحكم في الحديث.
سابعًا: نبّهنا إلى قيمة هذا التتبع في مقارنة الطرق، وظهور العلل الخفية - أحيانًا - عند هذه المقارنة بين الأسانيد.
ثامنًا: وجه الباحثين إلى موارد هذه الأسباب في أبواب الشريعة، حيث الأحكام، وفي القصص حيث المواقف والملابسات والظروف، وغيرها من الأبواب، التي تُطرق في تتبع هذه الأسباب.
تاسعًا: قدم لنا بهذا التتبع المصحوب الدراسة، كيف نجمع بين الروايات في الموضوع الواحد، وكيف نزيل ما يكون من تعارض أو اختلاف بينها.
عاشرًا: قدم في نماذجه، كيف تعين الأسباب على معرفة الحكمة من التشريع، والناسخ والمنسوخ، وحسن الفهم للمعاني، ومواجهة التعنت من المخالفين في الدين، وتعدد وجهات النظر في فهم الروايات، وطبيعة الصحابة في السماحة وحسن السمع والطاعة، والرجوع إلى السنة وما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم، على الفور، عند العلم بها.
ونستطيع بعد هذا التقديم لعمل البلقيني، أن نقول: إنه وفق في فتح الطريق أمام البسط والتتبع لأسباب ورود الحديث، فمن قدم لنا مبسوطًا بعده؟؛ وما المنهج الذي سار عليه؟.
الإمام السيوطي وأسباب الورود
لقد كان للإمام السيوطي، الأثر الكبير في إبراز الجهود السابقة، في أسباب الحديث، والإفادة؛ في بيان منهجها، والتأسيس لنفسه في تقديم مبسوط في ذلك.
وقد مر بنا قوله في ذلك عند الحديث عن بداية الكلام في أسباب الورود، وارتباط ذلك بأسباب النزول، والمؤلفات المفقودة في هذا الموضوع، وأُحب أن يجمع كتابًا في ذلك، فسلك مسلك التتبع للجوامع الحديثية، والالتقاط منها.
وسار على المنهج الذي استخلصه من طريقة الإمام البلقيني في الأمثلة التي ذكرها، أي تتبع في المع والالتقاط الأسباب على النحو الآتي:-
- قد لا يُنقل السبب في الحديث، ولكن يُنقل في بعض طرقه، وهذا سبله التتبع وهو ما ينبغي الاعتناء به، وبذل الجهد فيه.
¥