- وقد يكون ما ذكر عقب السبب من لفظ النبي صلى الله عليه وسلم، أول ما تكلم به النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت.
- وقد يكون تكلم به قبل ذلك، لنحو ذلك السبب.
- وقد يكون تكلم به، لا لسبب.
- وقد يكون تكلم به لأمور تظهر للعارف بهذا الشأن.
فهذه الأسباب التي حكاها عن منهج السابقين فيها، واختارها لتطبيق جمعه وتصنيفه عليها، فارتضى السؤال في الحديث نفسه، أو السبب المنفصل عن الحديث، وجاء بطرق أخرى، والظروف والملابسات التي ترتبط بأقوال الرسول الله صلى الله عليه وسلم وتعرف بالخبرة والتتبع الواسع.
ولكن تطبيق الإمام السيوطي لهذا المنهج السابق، والذي وافق عليه، جعله يأخذ معه الأمثلة التي ذكرها الإمام البلقيني، تصريحًا بها في مقدمته مع الإيجاز، ونسبتها إلى البلقيني، وأغفل نسبتها عند التفصيل.
ففي خطبة كتابه، أشار إلى حديث "إنما الأعمال بالنيات"، وتناوُلِ ابن دقيق العيد له، وكذلك البلقيني في أسباب الورود.
وما ذكره البلقيني كذلك، في حديث سؤال جبريل عن الإسلام، وحديث القلتين، وحديث الشفاعة، وحديث سؤال النجدي، وحديث "صلّ فإنك لم تصلِّ"، وحديث "خذي فِرْصةً من مسك"، وحديث "السؤال عن دم الحيض يصيب الثوب"، وحديث "السائل": "أيُّ الأعمال أفضل"، وحديث سؤال: "أيُّ الذنب أكبر"، وحديث "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة" .. فهذه نسبها عند الإجمال، ولكنه فصّلها في جملة اختياراته، وزاد عليها الأمثلة الأخرى التي ذكرها البلقيني.
ولكن هل الإمام السيوطي يعد في ذلك ناقلاً دون إضافة؟
إننا لا نستطيع الحكم في ذلك، إلا بعرض مقارنة سريعة بين ما ذكره البلقيني، وما ذكره السيوطي.
فأما الجانب المختصر عند البلقيني، فقد بسطه السيوطي بذكر الرواية وأسبابها، على النحو الآتي:-
حديث: أخرج الأئمة الستة عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه ".
سببه: قال الزبير بن بكار في أخبار المدينة: حدثني محمد بن الحسن، عن محمد بن طلحة بن عبد الرحمن، عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث، عن أبيه، قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، وُعِك فيها أصحابه، وقدم رجل فتزوج امرأة كانت مهاجرة، فجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فقال: يا أيها الناس، إنما الأعمال بالنية (ثلاثًا)، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته في دنيا يطلبها أو امرأة يخطبها فإنما هجرته إلى ما هاجر إليه، ثم رفع يديه، فقال: اللهم انقل عنا الوباء (ثلاثًا). فلما أصبح قال: أتيتُ هذه الليلة بالحُمّى، فإذا بعجوز سوداء ملبّبة في يَدَي الذي جاء بها، فقال: هذه الحمى فما ترى؟ فقلت اجعلوها بخُمٍ.
وقد جعل السيوطي هذا الحديث في بداية كتابه على الرغم من تبويبه للكتاب على الطريقة الفقهية، حيث بدأ بباب الطهارة، وسلك في ذلك مسلك الإمام البخاري رحمه الله في الجامع الصحيح، باعتبار أن النية أساس الأقوال والأعمال، وعلقها بالطهارة - كذلك - بيِّنٌ في تنقية القلب وتطهيره.
وأما حديث سؤال جبريل عن الإسلام والإحسان، فلم يورده السيوطي في التفصيل، وهذا يدل على أنه اختار من النماذج السابقة، والسبب الذي ذكر فيه هو ما يتصل بمجيء جبريل عليه السلام في صورة رجلٍ شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، وكيف جلس بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم، وقول الرسول الكريم: "فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ".
وأما حديث القلتين، فإن السيوطي رحمه الله، قد ذكره في باب الطهارة، ولكنه قدم من اختياراته في باب الطهارة ثمانية أحاديث، وتسعة عشر سببًا للورود، ومعنى ذلك أنه ليس بجامع لجهد غيره، وإنما أفاد من النماذج، والمنهج، وأحسن التطبيق في اختيارات أفادت من بعده.
وقال في حديث القلتين: حديث: أخرجه أبو أحمد الحاكم، والبيهقي عن يحيى بن يعمر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"إذا كان الماء قلتين، لم يحمل نجسًا، ولا بأسًا، أو قال خبثًا ".
¥