وقدم لنا بهذا المنهج من الأحاديث، تسعة وثلاثين وثمانمائة وألف، بأسباب كثيرة. وقد حقق هذا الكتاب في ثلاثة أجزاء، فضيلة الأستاذ الدكتور الحسيني هاشم رحمه الله.
وهذا مثال، اشترك فيه مع السابقين، وقدّمه على النحو الآتي: "إذا أتى أحدكم الصلاة، والإمامُ على حال، فليصنع كما يصنع الإمام ". أخرجه الترمذي والطبراني في الكبير، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال الترمذي: هذا حديث غريب.
سببه: ما أخرج الطبراني عن معاذ، قال: كان الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذا سبق أحدهم شيء من الصلاة سألهم، فأشاروا إليه بالذي سُبق به، فيصلي ما سُبق، ثم يدخل معهم في صلاتهم، فجاء معاذ والقوم قعود في صلاتهم، فقعد معهم، فلما سلم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، فقضى ما سُبق به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اصنعوا ما صنع معاذ".
وفي رواية له عن معاذ: فقلت: لا أجده إلا لبث عليها، فكنت بحالهم التي وجدتهم عليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قد سنّ لكم معاذ، فاقتدوا به .. إذا جاء أحدكم وقد سُبق بشيء من الصلاة، فليصلِّ مع الإمام بصلاته، فإذا فرغ الإمام، فليتم ما سبقه به، والعمل على هذا عند أهل العلم.
وقد يذكر للحديث الواحد أكثر من سبب.
الخاتمة
وبعد هذه الدراسة التحليلية، لتأسيس منهجٍ في تتبع أسباب الورود، لتقديم مصنفاتً جديدة فيها، نُبرزُ أهم النتائج التي توصلنا إليها:
- إن إدراك أهمية المعرفة لأسباب الورود في فهم الحديث، بدأ بالصحابة رضوان الله عليهم، حيث كانت مدارستهم لما قاله النبي صلى الله عليه وسلم، تُصحب بذكر المواقف التي قيل فيها الحديث -كما جاء في كراء الأرض- والزمن الذي قيل فيه، كإشارتهم بقولهم: "يومئذ"، والحوار الذي يدور بين النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضوان الله عليهم.
- ربط العلماء بين أسباب ورود الحديث وأسباب نزول القرآن في أهمية المعرفة لتوجيه المعاني في النصوص.
ووجدت أن هذا الربط بينهما -كذلك- في اعتماد السببين على الرواية، وجريان قوانين الرواية في مصطلح الحديث على روايات السببين.
والرواية في السببين قد تكون من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم، أو من أقوال الصحابة رضوان الله عليهم، وهي في مثل هذه الحالة، في حكم المرفوع، أو من أقوال التابعين، ويشترط في ذلك أن يكون التابعي معروفًا بالتحديث عن الصحابة وحدهم.
والتفريق بين السببين في استعمال صيغة: "فنزلت"، مع آيات القرآن الكريم، و "ورد" مع الحديث الشريف.
كما وجدنا أن التشابه بين السببين في أن آيات القرآن الكريم، منها ما يرتبط بأسباب نزول، ومنها ما نزل ابتداء، وكذلك الأحاديث منها ما يرتبط بأسباب ورود، ومنها ما قيل ابتداء.
- وإذا كان الجمع والتصنيف قد استوعب أسباب النزول، فإن الجمع والتصنيف في أسباب الورود، ما زال في حاجة إلى إضافات جديدة، لكثرة المصنفات في الحديث النبوي، وقلة ما صنف في أسباب الورود.
- بدأ التصنيف في أسباب ورود الحديث، بأبي حفصٍ العكبري (المتوفى 399هـ)، ولكن مصنفه في ذلك مفقود، وكذلك فقد مصنف أبي حامد عبد الجليل الجوباري.
- أول عمل يجمع بين التقنين والنماذج في أسباب الورود، هو النوع التاسع والستون في محاسن الاصطلاح للبلقيني (المتوفى 805 هـ).
- سار على منهجه، واختار بعض نماذجه، وأضاف إليها عددًا كبيرًا اقترب من المائة، الإمام السيوطي (المتوفى 911هـ) في مصنف بعنوان: "اللُّمع في أسباب الحديث".
- وعلى المنهج نفسه، توسع في النماذج والاختيارات ابن حمزة الحسيني الحنفي الدمشقي (المتوفى 1110هـ)، في كتابه: "البيان والتعريف في أسباب ورود الحديث الشريف".
- بقي من الأحاديث التي تحتاج إلى تتبع، لربطها بأسبابها، الكثير، وهذا ما يدعوني إلى تقديم هذا المقترح، المقترن بالمنهج، والأساس الذي يسير عليه الجهد المعاصر في هذا السبيل، وهو التتبع الشامل لكتب الحديث، وكتب التاريخ، التي تسير على منهج المحدثين في ذكر الروايات بأسانيدها، وكذلك كتب التراجم.
- وهذا التتبع يسترشد بالنتائج، التي وقفنا عليها من دراسة طبيعة الأسباب، والتي وجدناها على النحو التالي:
¥