تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يؤيد عزة روايات من رووا الحديث مرسلاً أن أحداً من أهل الكتب المشهورة لم يرو هذه الروايات المرسلة إلا ما رواه النسائي في الكبرى عن حماد بن أبي سليمان، بخلاف رواية سعير بن الخمس فإنها موجودة في كثير من مصنفات أهل الإسلام، ولذلك لما أخرج البيهقي في شعب الإيمان رواية سعير بن الخمس، وذكر بعدها مخالفة من خالفوه، قال: "وهو فيما ذكره شيخنا أبو عبد الله عن أبي علي الحافظ"، وهذا يدل على أن البيهقي وشيخه أبا عبد الله الحاكم لم يقفا على هذه الروايات المرسلة، وهو مما يدل على عزتها، وعدم العلم بها لدى بعض الحفاظ.

2 - (الافتراض الثاني): أن مسلماً كان على علم بالروايات المرسلة إلا أنه لم يعتبرها قادحة في صحة الحديث موصولاً لأمور؛

أ - (الأمر الأول): أن رواية من أرسلوا الحديث ليست مشهورة ولا يوجد منها مسندة إلا رواية حماد عند النسائي، وهو شيء قد يدل على عدم صحة تلك الروايات إلى من نسبت إليهم، إما لكونها واردة من طرق غير مرغوب فيها، وإما لكونها لم تنقل على سبيل التحديث، وإنما كانت عن طريق المذاكرة.

وهنا شيء ينبغي التنبه إليه، وهو في الحقيقة يؤيد عدم ثبوت هذه الروايات المرسلة عمن نسبت إليهم، ذلك أن النسائي بعد أن أخرج حديث أبي هريرة من طريقين عن أبي صالح عنه، كما في السنن الكبرى وعمل اليوم والليلة، وهو الحديث الذي صدر به مسلم الباب، قال: "خالفه حماد بن أبي سليمان" ثم ذكر النسائي رواية حماد عن إبراهيم الحديث مرسلاً، وهذا القول من النسائي يدل على سقط في المطبوع، إذ ليس في حديث أبي هريرة ما يصلح أن يقول النسائي عقبه هذا القول، وهو شيء يدل على أن ثمة خللاً ما، وهذا الخلل يبينه - فيما أحسب - ما ذكره المزي في تحفة الأشراف، حيث عزا إلى النسائي أخراج حديث سعير بن الخمس في عمل اليوم والليلة من طريق الحسين بن منصور عن علي بن عثام به، وليس هذا الحديث في المطبوع، وإذا كان هذا الحديث ساقطاً من المطبوع فإنه لا مكان له فيما أحسب إلا بعد حديث أبي هريرة المذكور في الباب وقبل قول النسائي المتقدم أعني ذكره لمخالفة حماد بن أبي سليمان، لأن وضع حديث سعير بعد حديث أبي هريرة يفسر لنا معنى قول النسائي المتقدم.

وعليه فإن معنى قول النسائي: "خالفه حماد بن أبي سليمان" أي خالف حمادٌ المغيرةَ، وهذا يدل على أن النسائي لم يعلم أو لم يعتبر رواية من نسب إليهم الرواية عن المغيرة مرسلاً، ولو كان النسائي يعلم أو يعتبر وجود رواية عن المغيرة مرسلة، لما نصب الخلاف بين المغيرة وحماد، ولنصبه بين من أرسل الحديث وأسنده عن المغيرة.

ب - (الأمر الثاني): أن رواية سعير لهذا الحديث قد أخرجها الأئمة، ولم يطعن فيها سوى أبي الفضل الهروي، ومن قلده، ممن جاء بعده، وأما أئمة العلل والحفاظ النقاد الذين سبقوا أبا الفضل فلم يؤثر عن أحد منهم القدح في هذا الحديث مع إخراجهم له وروايتهم إياه.

نعم قد يفهم بعضهم من النسائي أنه يرجح الرواية المرسلة، إلا الواقع لا يسعف هذا الفهم، وبيان ذلك أن النسائي ذكر حديث الوسوسة مسندا من طريقي أبي هريرة وابن مسعود ثم ذكره مرسلاً من طريق عبد الرحمن بن مهدي عن سفيان الثوري عن حماد بن أبي سليمان عن المغيرة عن إبراهيم، مُصَدِّراً روايته المرسلة بقوله المتقدم، ثم قال بعدها: "خالفه إسحاق بن يوسف" يعني الأزرق ثم أورد رواية إسحاق الأزرق المشار إليها عن سفيان عن حماد عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ثم قال: "ما علمت أن أحدا تابع إسحاق على هذه الرواية والصحيح ما رواه عبد الرحمن".

فقول النسائي هذا إنما هو في تعيين الصحيح من الروايتين عن سفيان الثوري، هل هي رواية ابن الأزرق أم رواية ابن مهدي، ولا علاقة له بترجيح المرسل أو المتصل، ولذلك جعل المخالفة عند كلامه على المتصل والمرسل بين المغيرة وحماد، ولم يجزم بالصواب من الروايتين.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير