تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونجتزئ هنا للتمثيل بكتاب (المختار للفتوى) للفقيه الحنفي عبد الله بن محمود بن مودود بن محمود الموصلي (ت 683هـ)؛ فهو متن مجرّد عن الأدلة، ومع ذلك وضعه صاحبه ليكون مرجعاً في الفتوى، فيأخذ الناس منه ويدعون دون أن يعرفوا دليلاً لقول أو مأخذاً لحكم؛ إلا أن صاحب المتن قال، وأصحابه من الحنفية قالوا، لكن الخطب هان حين استدرك المصنف على متنه بشرح مستوفٍ بسط في الأدلة وأكثر التعليل، وسماه: (الاختيار لتعليل المختار) (2).

ولعل فقه المالكية أحوج من غيره إلى خدمة الفروع ببيان أدلتها ومسالك تعليلها؛ إذ لا يُعرف لمتقدمي المالكية تأليف في هذا الشأن، بخلاف قرنائهم من أصحاب المذاهب الأخرى. أما المعاصرون ـ من المالكيين وغير المالكيين ـ فلهم جهود محمودة سدّت بعض الثلم/ النقص في مجال التأليف الفقهي الاستدلالي، نذكر من بينها:

أ ـ كتاب (مسالك الدلالة في شرح متن الرسالة) للشيخ أحمد بن الصديق الغماري (3)، وهو شرح على رسالة ابن زيد القيرواني، عُني فيه ببيان أدلة الفروع من السنن والآثار، وهو مطبوع متداول.

ب ـ (إتحاف ذوي الهمم العليّة بشرح العشماوية) للشيخ عبد العزيز بن الصديق الغماري (1)، وهو شرح مقتضب لمقدمة عبد الباري العشماوي في الفقه المالكي، عني فيه بذكر أدلة الفروع دون إشارة إلى أقوال الفقهاء، أو تعرّض لخلافهم.

ج ـ (مواهب الجليل من أدلة خليل) للشيخ أحمد بن أحمد المختار الجكني الشنقيطي (2)، وهو شرح لـ (مختصر خليل) مشفوع ببيان أدلة المسائل من الكتاب والسنة والآثار، وقد أعوزه الاستدلال على كل الفروع بالمنقولات؛ فلجأ إلى النظر، وروايات المذهب المالكي نفسه.

د ـ الفقه المالكي وأدلته للشيخ الحبيب بن طاهر (3)، عني بفقه العبادات عند المالكية، مستدلاً على الفروع بالكتاب والسنة والإجماع والقياس، مع الاستضاءة بفهوم أئمة المالكية وتعليلاتهم. وفي مقدمة المؤلف ما يشعر برغبته في إنجاز قسمي المعاملات والأحوال الشخصية، يسر الله ذلك وأعانه عليه.

على هذا المَهْيَع (4) ينبعي السير في التأليف الفقهي بعيداً عن قصور التجريد، وعموم الإطلاق، وقد دعا إلى تأصيله ثلة من عملاء العصر، نذكر من بينهم: الشيخ محمد بن الصديق الغماري في (مسالك الدلالة)، والشيخ عبد الله بن الصديق الغماري في تقديم كتاب (إتحاف ذوي الهمم العلية بشرح العشماوية) لأخيه عبد العزيز، والدكتور بدوي عبد الصمد طاهر في كتابه القيم (منهج كتابة الفقه المالكي بين التجريد والتدليل) (5).

هذا، وقد نشطت في غير المذهب المالكي حركة الاستدلال الفقهي؛ إذ ألفت كتب في الفقه الحنفي والشافعي والحنبلي مبنية على الدليل ابتداءً كـ (الأم) للشافعي، و (تحفة الفقهاء) لعلاء الدين السمرقندي الحنفي (ت 539 هـ)، و (الكافي في فقه الإمام أحمد بن حنبل) لابن قدامة، وصنفت كتب أخرى مجرّدة عن أدلتها، فاستدرك عليها مؤلفوها وغير مؤلفيها بشروح تُعنى ببسط أدلة المسائل من الكتاب والسنة والآثار، ومنها: (العزيز في شرح الوجيز) لأبي القاسم الرافعي الشافعي، و (البناية في شرح الهداية) للعيني في فقه الحنفية، و (الشرح الكبير على متن المقنع) لابن قدامة الحنبلي. ومع هذا فما زالت متون المذاهب بحاجة إلى خدمة في المجال الاستدلالي تقوّي منزعها، وتجلّي منحاها، وتميّز سمينها من غثّها، حتى يُعبَد الله بالدليل، ويظهر لكل مذهب فضله في العمل بالسنن، والأخذ بالآثار.

2 ـ التخريج الحديثي:

لا شك أن التخريج الحديثي من مرتكزات المنهج الاستدلالي في الفقه؛ ذلك أن الوصل بين الفروع وأدلتها ليس مقصوداً لذاته، وأن غايته بيان مراتب هذه الأدلة، حتى يتميز صحيحها من سقيمها، ويُعتمد الراجح من أقوال المذهب، ويُطرح الضعيف أو الشاذ.

وقد عُني الحفاظ بتخريج كتب مذاهبهم قصد تجديد الفقه من داخله، وسلخه عن تراكمات فروعية ليس لها في الشرع ورود ولا صدر؛ لانبنائها على الضعيف والموضوع، أو عملها بمجرّد الرأي، ومحض النظر. ومن الكتب المعروفة في هذا المضمار:

أ ـ نصب الراية لأحاديث الهداية (6) للحافظ الزيلعي (ت 762 هـ)، وهو تخريج لكتاب (الهداية) في الفقه الحنفي للمرغيناني.

ب ـ (التلخيص الحبير في تخريج أحاديث شرح الوجيز الكبير) (7) للحافظ ابن حجر (852 هـ)، وهو تخريج لشرح الرافعي على الوجيز في فقه الشافعية للغزالي.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير