تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأول: أن ما ذكر في المقدمة الأولى من استواء الخلق في زمن ثمود وزمننا لا بد من إثباته بشكل دقيق، وهذا يفتقر إلى البحث الجاد في كثير من الآثار، لأن مجرد المشاهدة العينية دون أن يكون ثمة فرق عمل مختص يثبت عدم وجود أي فرق بين خلقتهم وخلقتنا، لأن وجود فرق ولو كان الفرق طفيفاً كاف في إبطال دعوى مخالفة الحديث للواقع، لإمكان القول بأن التناقص في الخلقة كان سريعاً في بداية الخلق ثم أخذ يتباطأُ بعد ذلك إلى أن أصبح بطيئاً جداً، بحيث لا يلاحظ الفرق الطفيف إلا بعد القرون الطويلة.

والثاني: أن ما ذكر من المدد التي بين عصر قوم ثمود وعصر آدم وبين عصرنا وعصر قوم ثمود لا دليل عليه يمكن الاحتجاج به، لأن العمدة فيه إنما هو كلام أهل التاريخ والأنساب، وليس قولهم بحجة في ذلك فضلا عن أن يكون يقينياً.

المطلب الثاني: قبول

الحديث بسبب موافقته للواقع

تقدم أن موافقة الواقع للحديث ليس شرطاً في صحة الحديث، وإنما الشرط عدم مخالفة الواقع له، ولكن ليس معنى ذلك أن موافقة الواقع للحديث لا أثر له في الحكم عليه، بل إن العلماء عدوا كثيراً مما وقع من الأخبار المغيبة دليلاً على أعلام نبوته صلى الله عليه وسلم، وقد عقد ابن كثير في كتابه البداية والنهاية فصولاً في الإخبار بغيوب ماضية ومستقبلة، فذكر فيها عدداً كبيراً من الأخبار التي وقعت على وفق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، حتى تجاوزت عدد صفحات تلك الفصول الستين صفحة.

ولعل أصل ذلك هو حديث الجساسة، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما سمع من تميم الداري خبر الدجال والجساسة جمع الناس في المسجد ثم قال: "إني والله ما جمعتكم لرغبة ولا لرهبة ولكن جمعتكم لأن تميما الداري كان رجلا نصرانيا فجاء فبايع وأسلم وحدثني حديثاً وافق الذي كنت أحدثكم عن مسيح الدجال ... " فذكر الحديث.

والشاهد من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قد استشهد بقصة تميم التي رآها بعينه ووافقت ما كان أخبرهم عن الدجال من باب الاستئناس، والزيادة في الاطمئنان عند السامعين، وإلا فإن الصحابة لا شك مصدقون للنبي صلى الله عليه وسلم، وإنما أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يزيدهم إيماناً ويقيناً بموافقة هذه القصة لما أخبرهم به.

وعليه فإن موافقة الواقع للحديث يمكن اعتبارها من القرائن المؤثرة في الحكم على الحديث، أو سببا للاستئناس على أقل تقدير، ويمكن عدم اعتبارها شيئاً، وذلك عائد إلى احتمالية المصادفة في التوافق من عدمها.

ولا يرد على هذه النتيجة بأن تعتبر موافقة العقل للحديث مما يقويه، كالواقع، إذ كانت مخالفة كل منهما تقدح في صحة الحديث، لأن موافقة الواقع للحديث لا تكون إلا مصادفة أو وحياً، إذ مردها إلى العلم بما سيحدث، والمصادفة لا تقع إلا نادراً، بخلاف موافقة العقل للحديث فإنها مبنية على العقل والتوافق في العقل بين الناس هو الأصل، وعدم التوافق هو المصادفة.

وبيان مسألة تقوية موافقة الواقع للحديث تتوقف على مسألتين؛ الأولى: ظهور التوافق بين الواقع والحديث، والثانية: مدى تحقق شروط القبول.

المسألة الأولى: ظهور

التوافق بين الواقع والحديث

من المعلوم أن العقول تتباين في المفاهيم، والقول بأن الخبر يوافق الواقع مجال لتباين العقول، لأنه أمر نسبي قد يرى عالم الموافقة بين الحديث والواقع ظاهرة، ويرى آخر خلاف رأيه، ومن هنا كان لا بد من معرفة مستويات التوافق بين الواقع والحديث، لأن بعض ما قد يظن توافقاً ليس هو في الحقيقة كذلك، فأقول:

الواقع في نفسه إما أن يكون ظاهراً لكل أحد، كالمشاهد بالعيان، وإما أن يكون غير ظاهر كالمحسوس بالشعور، وإما أن يتردد بينهما، وموافقته للخبر قد تكون ظاهرة، كدلالة الخبر على الواقع بمنطوقه، وذلك بالنص بحيث لا يحتمل المعنى غيره، كحديث المرأة التي أعطاها حاطب بن أبي بلتعة كتاباً إلى أهل مكة، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأمر بعض الصحابة بأخذ الكتاب فكان كما أخبر به صلى الله عليه وسلم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير