قال في "الإلماع إلى أصول الرواية وتقييد السماع" (ص:192):"… والناس مختلفون في إتقان هذا الباب -أي: باب اختلاف الروايات والعمل في ذلك- اختلافا يتباين ولأهل الأندلس يد ليست لغيرهم…".
وقال أيضا:" وكان إمام وقتنا في بلادنا في هذا الشأن الحافظ أبو علي الجياني شيخنا- رحمه الله- من أتقن الناس بالكتب، وأضبطهم لها، وأقومهم لحروفها وأفرسهم ببيان مشكل أسانيدها ومتونها، وأعانه على ذلك ما كان معه من الأدب واتقانه ما احتاج إليه من ذلك على شيخه ابي مروان السراج اللغوي- آخر أئمة الشأن-، وصحبته للحافظ أبي عمر بن عبد البر- آخر أئمة الأندلس في الحديث- وأخذه عنه وكثرة مطالعته، وناهيك من اتقانه لكتابه الذي ألفه في على مشكل الصحيحين، وكان قرينه شيخنا القاضي الشهيد عارفا بما يجب من ذلك جدا، لكنه لم يهتبل بكتبه اهتباله، وكان القاضي أبو الوليد الكناني ممن أتقن …"اهـ.
ت: ومما يلحق بهذا الباب:
5) - ما انفردوا به من علامات التصحيح: مصطلح "الشق".
قال ابن الصلاح:" إذا وقع في الكتاب ما ليس منه، فإنه ينفى عنه بالضرب أوالحك أو المحو أو غير ذلك. والضرب خير من الحك والمحو. روينا عن القاضي أبي محمد بن خلاد- رحمه الله- قال: قال أصحابنا:الحك تهمة ..
ثم إنهم اختلفوا في كيفية الضرب: فروينا عن أبي محمد بن خلاد قال: أجود الضرب أن لا يطمس المضروب عليه، بل يخط من فوقه خطا جيدا بينا، يدل على إبطاله، ويقرأ من تحته ما خط عليه وروينا عن القاضي عياض ما معناه: إن اختيارات الضابطين اختلفت في الضرب، فأكثرهم على مد الخط المضروب عليه، مختلطا بالكلمات المضروب عليها، ويسمى ذلك "الشق".
ت: ومصطلح الشق المذكور من اصطلاحات المغاربة التي لم يشاركهم فيها أحد، قال العراقي في "التقييد والإيضاح": "الشق": بفتح الشين المعجمة وتشديد القاف، وهذا الاصطلاح لا يعرفه أهل المشرق، ولم يذكره الخطيب في الجامع ولا في الكفاية، وهو اصطلاح لأهل المغرب، وذكره القاضي عياض في الإلماع، ومنه أخذه المصنف. وكأنه مأخوذ من الشق، وهو الصدع أو من شق العصا، وهو التفريق، فكأنه فرق بين الكلمة الزائدة وبين ما قبلها وما بعدها من الصحيح الثابت: بالضرب عليها، والله أعلم"اهـ.
6) - وعلامة الصفر على الضرب واللعق في المحو:
وانفردوا بوضع علامة على الضرب، فقد قال ابن الصلاح:" ومنهم من لا يخلطه - أي الخط بالمضروب عليه- ويثبته فوقه، لكنه يعطف طرفي الخط على أول المضروب عليه وآخره ومنهم من يستقبح هذا ويراه تسويدا وتطليسا، بل يحوق على أول الكلمة بنصف دائرة، وكذلك في آخره، وإذا كثر الكلام المضروب عليه فقد يفعل ذلك في أول كل سطر منه وآخره وقد يكتفي بالتحويق على أول الكلام وآخره أجمع. ومن الأشياخ من يستقبح الضرب والتحويق، ويكتفي بدائرة صغيرة أول الزيادة وآخرها، ويسميها صفرا كما يسميها أهل الحساب…".
قال العلامة أحمد شاكر - رحمه الله- تعليقا على كلام ابن الصلاح:" رسم الصفر دائرة عند أهل الحساب إنما هو في اصطلاح أهل المغرب، الذين منهم القاضي عياض، وهم كانوا ولايزالون إلى الآن يكتبون أرقام الحساب برسم الأرقام المعروفة عند الإفرنج، بخلاف أرقام أهل المشرق".
ت: وانفردوا أيضا بطريقة في المحو غريبة، قال ابن الصلاح:" وأما المحو فتتنوع طرقه، ومن أغربها: ما روي عن سحنون بن سعيد التنوخي الإمام المالكي أنه ربما كتب الشيء ثم لعقه، وإلى هذا يوميء ما روينا عن ابراهيم النخعي - رضي الله عنه- أنه كان يقول: من المروءة أن يرى في ثوب الرجل وشفتيه مداد. والله أعلم" (4).
7) - وانفردوا بترتيب معجمي خاص:
استعمل المسلمون في ظل الدولة الإسلامية ترتيبا خاصا للحروف عرف بحروف المعجم وبحروف الهجاء أو التهجي يراعي تشابه الشكل مع اعتبارات أخرى، فوضعوا الحروف المتشابهة في الرسم متساوقة، لكن بقي الخلاف قائما بين أهل المشرق وأهل المغرب في الترتيب:
فترتيب المشارقة هو:" أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز س ص ض ط ظ ع غ ف ق ك ل م ن هـ و ي ".
وأما ترتيب المغاربة فعلى النحو التالي:" أ ب ت ث ج ح خ د ذ ر ز ط ظ ك ل م ن ص ض ع غ ف ق س ش هـ و ي ".
¥