يا أخي أنا أقول: "وأما كلام من جاء بعدهم، فيحترم، ويوقر، ويؤخذ به، ويُحتج، لكن إذا اختلف قول المتقدمين والمتأخرين: قُدّم قول
المتقدمين، لأنهم - كما تقدم في النقطة الأولى - أعرف بهذا العلم، وأخبر به، وأعلم".
واضح؟
ليس لمجرد تقدمهم.
ولهذا فأنا أقول: إنه حتى أهل الدعوة إلى منهج المتقدمين يمكن أن يرجحوا أقوالاً للمتأخرين إن بان لهم أنها أقوى دليلاً، وأوضح برهانًا، ولو كنت قلتُ بأن ترجيح قولهم لمجرد تقدمهم، فإنه لا يمكنني القول بأنه يمكن ترجيح قولٍ لمتأخرٍ على قولٍ لمتقدم.
وبما أن مقدمتك هذه غير صحيحة، فقد بنيتَ عليها كلامك، فسقطا كلاهما.
ثم قلتَ: "أما مسألة تحديد تاريخ فاصل أو تحديد أول من بدأ بمنهج المتأخرين أنه ليس له كبير فائدة أقول بل له ذلك كيف ولا وهو من صلب المسألة فلو علم ذلك لعلمنا من قال به ومن رد عليه".
أقول: يا أخي الكريم، انظر قولي، قلتُ: "تحديد أول المتقدمين وآخرهم، أو التاريخ الفاصل بين المتقدمين والمتأخرين، لا يفيد كثيرًا -في ظني-".
يعني: معرفة التاريخ الذي يفصل بين المتقدم والمتأخر لا يفيد كثيرًا، وأنتَ بدأتَ جملتك كأنك ترد على هذا، ثم لما انتهيت ناقلاً كلامي، انتقلت انتقالاً كلياً إلى مسألتك التي تدندن حولها: من أول من فرق بين المتقدمين والمتأخرين؟، وأنا لم أتعرض لهذه المسألة، فتنبَّه.
يا أخي العزيز ..
التفريق هذا يعرفه ذوو العقول، لذا ترى أن الأئمة الذين نعتبرهم من المتأخرين يفرّقون، وسأعيد الكلام لكي تقرأه مرةً أخرى - لكن برويَّة هذه المرة، ولا تقل: قص ولصق، فإن هذه قد تعتبر تهربًا منك، فاحذر -، انظر:
- قال الذهبي: "وهذا في زماننا يعسر نقده على المحدث فإن أولئك الأئمة كالبخاري وأبي حاتم وأبي داود عاينوا الأصول وعرفوا عللها، وأما نحن فطالت علينا الأسانيد وفقدت العبارات المتيقنة".
ففرَّق بين محدثي زمانه والنقاد الأوائل، وهذا واضح جليٌّ، لكن لا أدري لِمَ تُغمَضُ عنه بعض الأبصار.
ولاحظ قوله: "وأما نحن"، فإن ما بعد (أما) مغاير لما قبلها - كما هو معروف -، ومعنى ذلك أن الأئمة الذين ذكر لهم الذهبيُّ أمثلةً مغايرون لمحدثي زمانه.
- قال ابن رجب: "فضبط ما روي عنهم - يعني علماء السلف - في ذلك أفضل العلوم مع تفهمه وتعقله والتفقه فيه، وما حدث بعدهم من التوسع لا خير في كثير منه، إلا أن يكون شرحاً لكلام يتعلق بكلامهم، وأما ما كان مخالفاً لكلامهم فأكثره باطل أو لا منفعة فيه".
- قال ابن حجر: "وبهذا التقرير يتبين عظم موقع كلام الأئمة المتقدمين وشدة فحصهم وقوة بحثهم وصحة نظرهم وتقدمهم بما يوجب المصير إلى تقليدهم في ذلك والتسليم لهم فيه".
فابن حجر يا أخي يبين لنا أن منهج المتقدمين هو السليم، لشدة فحصهم وقوة بحثهم وصحة نظرهم ... إلخ.
- قال السخاوي: "ولذا كان الحكم من المتأخرين عسراً جداً، وللنظر فيه مجال، بخلاف الأئمة المتقدمين الذين منحهم الله التبحر في علم الحديث والتوسع في حفظه".
انظر أخي العزيز، نصٌّ صريح (المتأخرين) (المتقدمين)، وبيان أن المتأخرين يعسر عليهم ما هو سهلٌ على المتقدمين، ولا أدري، هل مع ذلك سيبقى القول بأن لا فرق بين منهج المتقدمين ومنهج المتأخرين؟!، ومن الواجب على المتجرد للحق، لا المتعصب للرجال أن ينظر في هذه العبارات.
وأعيد سؤالي: هل يَعتبر من قال بذلك (أي ببدعية التفريق) ابنَ رجب، أو الذهبيَّ، أو ابن حجر، أو السخاوي، هل يعتبرهم مبتدعة، لأنهم
- كما في نصوصهم الواضحة الصريحة - يفرقون بين متقدم الأئمة ومتأخرهم؟؟!
أخي العزيز ..
والله ما نريد بهذا انتصارًا لأحد، أو تزلفًا أو تقربًا لبشر، ولسنا به نقلد فلانًا أو غيره من المشايخ، ونشهد الله على حب الشيخ العلامة الألباني - رحمه الله - في الله، ولا ينكر ذو عقلٍ أنه من مجددي السنة، وعلى يديه توجه الناس إلى علم الحديث، وبفضله - بعد الله - انتشر الحديث في عموم الأمة، وهو من المشهود لهم بالإمامة في الحديث في هذا العصر.
¥